وجدت جاري يُقلم ويزين شجر الحنة المحيط بواجهة منزله؛صباح يوم الجمعة،فنزلت من شقتي حاملاً (سيرمس) القهوة،فالدنيا صباح و(الناس)(طولّت) ما (إتقابلت)،مع مشاغل و(جري)الدنيا..فقام جاري (الكوتش) بإحضار كرسيين من الكراسي البلاستيكية المعروفة عندنا بال(ليبية)؛لنجلس تحت ظل شجرة الدمس السعودي والتي قام بزراعتها بعيدا وخصها برعايته،حتى أنه جعل لها مكانا خاصا لتنمو فيه وتتفرع جذورها ممتدة في الأرض؛لاتضر بقية الأشجار ولا تضار منها. شربنا قهوتنا وجاري يواصل تشذيب شجيرات (الحناء) في عناية وتركيز شديدين،(الكوتش) إلتفت إليّ قائلاً : هل تعلم أن كل نساء البلد دي كن يستعملن أوراق هذه الشجرة..!؟ وهن الأن للأسف بتن يستعملن (الحناء) المستوردة والمُصنعة..! أنا حضرت ماحكى لي وعاصرته بالتأكيد،فما قاله (الكوتش) كان قبيل أعوام ليست ببعيدة،وفي سبيل الونسة معه سألته عن سبب ترك نساؤنا وبناتنا للطبيعة والجري وراء المُّصنع!؟ خاصة وأن (الكوتش) صاحب تجارب حياتية إمتدت فوق الخمسين عاماً..أي أنه شهد الزمن الجميل والزمن الأجمل منه. ترك (الكوتش) مقصه الكبير الخاص بالتقليم؛ملتفتا ناحيتي،الزمن الذي نحن فيه أصبح يخيف الناس،فالسرعة أصبحت مطلوبة وبشدة،حتى عند ربات البيوت الما(عندهن) شغلة غير (يلازمن بيوتن)..! فالواحدة من (نسوان) زمان كانت تستمتع ب(برنامج) الحنة؛تجد النساء يتجمعن عند فلانة،وتجد القهوة والشاي والفطور وشغلة طويلة.. تعطيك إحساس بأهمية هذا الطقس النسائي الجميل،أما نسوان (هسه) فالواحدة منهن تريد أن تذهب للكوافير،وتضع حنتها وتتزين في نصف ساعة فقط..!فالحناء المصنعة والمستوردة والمضاف إليها مواد كيمائية وخطيرة جدا على صحة المرأة نفسها؛والإنسان عموماً،أصبحت سائدة وسريعة،رغم خطورتها لكن نساؤنا يضعنها ويتباهين بنقوشاتها ومساحتها على جسدهن،فكل ماكانت الحناء تغطي مساحة أكبر ،كان سعرها غالياً،والنساء لهن من أشياؤهن مايفهمنه هن لاغيرهن..! غلاء الدواء و عدم قدرة معظم المواطنيين على شراء أدوية الأمراض المزمنة.. في ظل (كل يوم بي سعر..!)، جعل أصحاب هذه وتلك الأمراض المكلفة - والغريبة فقط - في السودان،بدأوا يستعينون ويفتشون في الماضي؛كما الجميل (ترباس)،فال(قرفة) والكمون والحلبة وال(نعناع)،والجنزبيل،والمورنغا،والبردويش،والين سون،و(القرض)،عادت تحتل رفوف وعلب جميع المطابخ ودولابيها،ونشطت محال وشركات الأعشاب والأدوية العشبية الطبيعية،وكان أن ثبت بما لايدع مجال للشك أنها الأحسن للتطبيب والعلاج،فيكفيك كوب مورينغا دافئ من الصباح ليكفيك (شكة) حقنة أنسولين..ومثله من النعناع يفعل العجب،أما الينسون فلن أحدثك عنه ،فرائحته الجميلة المنعشة لن تفارق جسدك طوال ساعات يومك،وهي الساعات نفسها التي تكون تتمتع فيها بذاكرة نشطة وعقل متفتح.أما البردويش فتكفيك رشفات منه وهو دافئا لتحس بعدها براحة جسدية (غريبة) ،لتهنأ بالنوم وأنت قرير العين هانيها. الناس بدأت تعود للطبيعة وأشجارها وأعشابها،لما لها من فوائد ونتائج مضمونة ومعروفة،فكما قيل قبلاً (اسأل مجرب ولا تسأل طبيب).. لي صديق يعمل مع مستثمر صيني،فهل ستصدقونني إذا ذكرت لك ماهو إستثماره في السودان..!؟ إن إستثماره هو(عضو الثور) وجزء صغير في رأس الأسماك ،فصاحبي هذا حكى لي أنه يذهب بعد صلاة الفجر للسلخانة ليجمع (أعضاء الثيران)،ويأخذها لمزرعة في بحري تخص صاحبنا الصيني،لتجفف تلك الأعضاء في(الظل)،وتطحن بعد ذلك لتصبح (بدرة) سمراء اللون،ذات رائحة تشبه الفازلين،وتعبأ بعدها في جوالات وتصدر للصين؛هي وأجزاء رؤوس الاسماك التي تطحن أيضا بعد تجفيفها..! وزادني أن تلك البدرة تفيد لمرضى الفتور والضعف الجنسي،وسريعة الفعالية بصورة لا تتخيلها أبداً.. فقلت له أن الصينيون هم اصحاب حضارة وعلم وطب منذ الماضي البعيد،والعلم هم ملوكه وأسياده،وقلت له أنا أعتقد في طبهم ودواءهم،فأنا حتى الأن أستعمل (المس) مرهم العيون الصيني،وفي منزلي الشاي الأخضر الصيني الذي يخص زوجتي،وفيتامين الأعشاب الصيني المفيد للاطفال،وهو من أعشاب وفواكه طبيعية،وكلها مما جادت به معامل وصيادلة الصين لنا ولغيرنا من سكان الأرض،ولكن - سؤال وجهته لصديقي - متى نستفيد نحن من منتجاتنا ومانجده أمام أعيننا،في تصنيع أدوية الطبيعة..؟! الطبيعة من حولنا تنادي،وكلنا في حاجة لها،فهي غير ذات تكلفة أو ميزانية، وفي ذات الوقت معترف بها من (حبوباتنا) فهن أخصائيات عركن الحياة وأمراضها.