دخلت زينب إلى صالة الحفل.. الموسيقى الصارخة سدت الآفاق.. الناس يرقصون في جنون وهياج.. بدأت تبحث عن معارفها وسط أمواج البشر.. المعادلة ليست يسيرة بين غض البصر والتركيز على الوجوه التي تبحث عنها.. أخيراً وجدت ضالتها في ركن قصي.. الطاولة مزدحمة بأناس لا تعرف منهم سوى ابنة عمتها أميرة وصديقة لها.. واجب المجاملة في هذا البلد يكسر في كثير من الأحيان الراسخ من القواعد. بعد نحو عشر دقائق استشعرت زينب ظرفاً طارئاً.. الخروج من الحفل لم يكن أمراً يسيراً.. أرادت أن تهمس في أذن ابنة عمتها أميرة.. جنون الموسيقى يحتاج إلى صراخ في التعبير لم تعتده.. أخيراً قدرت أن تستخدم فقه الضرورة.. احتالت على الأنظار بادعاء أنها تستقبل مكالمة مهمة.. أرخت رأسها وجعلت الهاتف قريباً من أذنها.. عندما وصلت الأراضي المحررة من الطرب جذبت نفساً عميقاً.. سألت سيدة وأخرى ولكن لم تجد رداً على سؤالها المحرج في مثل هذه الظروف. مضت إلى عرض الشارع العام تاركة خلفها القاعة الراقصة.. قبل أن تتدبر أمرها كانت سيارة فارهة ومظللة تقف بجوارها تماماً.. السائق يبدو رجلاً كهلاً في مقام والدها.. ترددت في إجابة دعوته.. عندما نظرت إلى عينيه شعرت بالخوف ثم تراجعت خطواتها لا شعورياً.. مضى صاحب العربة ليتوقف لسيدة أخرى تقف على قارعة الطريق.. أستشعرت زينب أنها تقف في منطقة سيئة السمعة. لجأت إلى هاتف زوجها الذي كان مشغولاً بمكالمة أخرى.. في هذه اللحظة لمحت سيارة أمجاد صغيرة.. بسرعة وخفة حجزت مقعدها في المقاعد الخلفية.. السائق الشاب سألها «ماشة وين يا أستاذة».. لم تستوعب السؤال في ذروة انشغالها بظرفها الخاص.. ردد الشاب السؤال بصيغة جافة.. كانت لحظتها تحاول الاستعانة بصديق عبر الهاتف.. طلبت منه أن يسرع دون أن تمنحه العنوان.. عندما رأت اضطرابه طلبت منه التوجه إلى بحري ثم عادت تهمس في الهاتف.. اجتهد السائق أن يسمع الحوار الخافت.. توقفت الحركة من شدة الزحام هنا حاول الرجل أن يتبين ملامح السيدة المضطربة.. اعتبرت النظرة غير شرعية فجعلت أطراف الثوب تخفي وجهها الجميل.. هنا بدأ كل طرف يرتاب في الآخر. غيرت وجهتها حينما رأت الزحام يسد مقدمة كوبري القوات المسلحة.. طلبت من السائق أن يتوجه جنوباً نحو منطقة الديم.. زادت شكوك سائق الأمجاد الذي عمل من قبل في شرطة المباحث.. اتصل بأحدهم وبشفرة بوليسية متقنة وصوت خافت كان يسأل عن ملامح السيدة المتهمة باختطاف طفلة حديثة الولادة من المستشفى.. قبل أن يكمل الطرف الآخر الأوصاف.. كان صاحب الأمجاد يخبره أن الصيد الثمين بحوزته. تحركت دورية من الشرطة تحمل هجيناً من القوات إلى الهدف.. قرب ميدان فسيح ومظلم توقفت عربة الأمجاد بصورة مفاجئة.. حاولت زينب الفرار.. عندما تمكنت من فتح الباب وجدت قوة مدججة بالسلاح تطلب منها الاستسلام..