مدخل: الحديث عن سيد الأولين والآخرين حديث ثر.. يحلو ويلذ ويتجدد على مر الأزمان والدهور لأنه يحمل بذرة الخلود (ورفعنا لك ذكرك) ومحبة المسلمين لسيد ولد آدم محبة استثنائية غير مسبوقة.. وكيف لا يحبونه والحق سبحانه وتعالى يخبر المسلمين بأن هذا الرسول(أولى المؤمنين بأنفسهم).. لقد فُطر على ذلك.. أن يكون أولى بك وبشؤونك منك.. إلى هذا الحد عكس القرآن محبة رسول الله للمسلمين، وهم لا يملكون أمام هذا الفيض من المشاعر المحمدية إلا أن يحاولوا مبادلته وداً بود وحباً بحبٍ وهيهات: جاءوك يا رحمة الرحمن تملؤهم مشاعرٌ وأحاسيسٌ خفياتُ فأنت أولى بهم ياسيدي قسماً كذاك نصَّت من التنزيل آياتُ يبادلونك وُدَ الحرلو ملكوا ودون شاؤك أمادٌ بعيداتُ ولذلك حظيت السيرة باهتمام كبير بين جمهور المسلمين.. كتبوا حولها نثراً وشعراً.. وهاموا بها، والسودانيون على وجه الخصوص عرفوا بمحبتهم الفائقة لرسول الله.. والكاتب لايزال يذكر- وهو صبي يافع- مجالس عامرات لأهله في القرية وهم يتحلقون احتفاءً بالمولد النبوي الشريف.. يسردون سيرته في إيقاع جميل.. ولا يزال يذكر حلقات المديح وقد توشح المادح ونقر(طاره) وهو يردد: وأشواقي على أحمد عظيم الشأن قنديل المدينة الهاشمي العدنان كل هذه الصور واللوحات تركت بصماتها في قلب الصَّبي وذاكرته يومئذٍ فشكلت جزءاً من وجدانه.. ومضى الزمانُ بنا ودارت الأيامُ وعادت بي الذاكرة إلى تلك الأيام.. وإلى أوراق قديمة سجلتها في ذلك الزمان الأخضر.. أعدت النظر في تلك القصاصات فإذا هي هذه السلسلة من الوقفات في السيرة.. وهي وقفات(بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم). ولقد تهيبت الكتابة عن هذا الأمر سنيناً عدداً... أعزم ثم ينحلُّ عزمي إلى أن شرح الله صدري للكتابة أخيراً. وبدأت الكتابة عن السيرة وكلي حياء أمام صاحب السيرة صلى الله عليه وسلم.. أكتب ولسان حالي ما ردَّده أمير الشعراء شوقي وهو يناجي سيد الأولين والآخرين: أبا الزهراء قد جاوزت حدي بمدحك بيد أن لي انتساباً مدحت المالكين فزدت مالاً وحين مدحتك اقتدتُ السحابا سيدي يارسول الله: هأنذا أقف بين يديك بهذه السلسلة متهيباً، يملؤني الخجل، ذلك أن ما سودته في هذه الصحائف لا يعدو أن يكون مجرد(خربشات)لا ترقى إلى سماواتك وشاؤك، ولكن عذري أنها دنات محب، والمحبون ذنبهم مغفور وتطاولهم مقبول. لقد كان قدومك الميمون.. عيداً للبشرية، وكان كالعافية للبدن، وكالهواء والماء للأحياء.. لقد منحت الوجود لونه الزاهي.. وطعمه الحلو.. ولئن فاتنا- سيدي يارسول الله- شرف الصحبة فأرجو ألا يفوتنا شرف المحبة.. وهذه الأسطر هي من وحي ذلك الحب الدفين والود العميق. سيدي يارسول الله: هأنذا أبدا هذه السلسلة في شهر ربيع الذي شهد قدومك للحياة تبركاً بهذا الشهر.. وأكتب آخر سطور منها في حرمك الزاهي بالمدينةالمنورة وقرب الروضة الشريفة.. أدفع بهذه الخواطر والرؤى وأقف بها بين يديك وقفة الخاشع المتأدب عساها تكون في ميزان حسناتي وحسنات القاريء يوم الفزع الأكبر.. ولعلها تكون مدخلاً لشفاعتك فينا ياسيد الخلق. (ربنا آمنا بما أنزلت.. واتبعنا الرسول.. فأكتبنا مع الشاهدين).«رب قد أتيتني من الملك.. وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً والحقني بالصالحين»