صديق عزيز يروي قصة فيها الكثير من العبر.. المقاول الشاب كان يستقبل هاتفاً من مدينة عطبرة.. إحدى قريباته توسمت فيه خيراً وطلبت منه مبلغ خمسين جنيهاً لعلاج بعض أسنانها.. تحسس عبيد جيبه وبعث للسيدة التي تطلب العون خمسمائة جنيه.. ضاعف من الصدقة لأنه يدرك أن علاج الأسنان يكلف كثيراً.. وأن أصعب الآلام ذاك الذي ينتج من تمرد ضرس.. حينما عاد الشاب لبيته أخبرته زوجته أن أحدهم جاء بظرف به مبلغ خمسة آلالف جنيه هدية من الجمعية الخيرية بمناسبة زواجهما.. تذكر صديقنا وقتها أن الحسنة بعشر أمثالها. مساء الخميس الماضي كان بريدي الالكتروني يستقبل رسالة من المهندس علي حسن أحمد البشير.. رسالة المهندس علي تم نشرها بالأمس كانت عطفاً على مقال يحض على فعل الخيرات.. من وراء الكواليس كان شقيق الرئيس يطلب مني إن أصررت على النشر أن أنسب الرسالة لأبي أواب.. من بين ثنايا الحوار أدركت أن بعض أقرباء الرئيس أشقاهم المنصب الرسمي.. كل خطواتهم في الحياة تخضع لرقابة صارمة من الإعلام الشعبي.. عندما قرأت رسالة علي البشير الذي لم التقه من قبل تذكرت شهادة أخرى كان يبثها صديقي المحبوب عبدالسلام بحق شقيق آخر للرئيس.. المحبوب تحدث عن شهامة ومروءة وسودانية الدكتور صديق البشير المقيم بلندن.. هذه الشهادة بالطبع لا تمنع أن آخرين من عشيرة المسؤولين الكبار كانوا يستغلون فصيلة الدم في كل حركاتهم وسكناتهم حتى أن أحدهم كان يلج صالة كبار الزوار تحت لافتة أنه شقيق الوزير. في نهار الجمعة كنت أزور صديقي رجل الأعمال عمر حاج الشيخ الذي يزور البلاد في زيارة قصيرة جداً.. شكرني الصديق عمر على ذات المقال.. ثم أشار لرجل خرج من عنده.. وأن الرجل تبرع بأكثر من ألف دولار لبناء مسجد.. في مساء السبت كان الدكتور عمر يهاتفني طالباً مني أن أعلن عن جائزة لأبناء قريتنا المتفوقين في التعليم.. الجائزة عبارة عن عربة فارهة ومبالغ مالية كبيرة.. في وفاء نادر قرر الطبيب الصيدلي أن يسمي الجائزة باسم والده.. عمنا حاج الشيخ مثال لأب سوداني بسيط قدر أن أفضل استثمار في الحياة الاهتمام بتعليم الأبناء.. ناتج «المسطريم» كان عدداً من الأبناء الناجحين منهم الطبيب والمهندس ورجل الأعمال. عطفاً على عمود أسماء في حياتنا.. كنت صباح الأمس أحدق في هاتفي ورقم من السعودية يلوح.. المتصل يطلب أن يتحدث إن كان الوقت مناسباً.. كان الرجل مدير شركة الراجحي القابضة للاستثمار التجاري.. دكتور خالد سعدالله يشكرنا على كلمات قليلة قلناها بحق المحسن الدكتور محمد صالح عبدالعزيز الراجحي.. عبر الاتصال عرفت أن المستشفى الجديد بغرب أم درمان ليس إلا شيئاً قليلاً من الأعمال التي يقدمها رجل الأعمال السعودي لشعب السودان. أحياناً كثيرة أستشعر أنني أنتمي لبلد طيب ورائع أفسده السياسيون.. هل سمعتم بسياسي يتصدق علينا بكلمة طيبة أو يصمت.