ثورات الربيع العربي التي أحدثت تغيرات جذرية في علاقة المواطن بالدولة، وكسرت العديد من الحواجز السابقة، وباتت منها الشعوب تجهر بمطالبها للديمقراطية والحرية والحكم الرائد، من خلال خروجها إلى الشارع وانتصارها على أنظمة شمولية، ظلت جاثمة على سدة الحكم في مصر وتونس وليبيا، والآن أوار نيرانها يشتغل في سوريا، هذه الثورات التي استبشر بها المواطنون خيراً واستقراراً، مازالت في حالة مد وجزر وصراعات ما بين القادمين الجدد من الثوريين، وما بين ما يسمون ببقايا الأنظمة السابقة من جهة أخرى.. وأيضاً ما بين صعود الإسلاميين عبر صناديق الانتخاب وممانعة الأحزاب الليبراليين. مؤسسة أروقة للثقافة والفنون نظمت ندوة لمناقشة كتاب الربيع العربي ثورات لم تكتمل للكاتب الدكتور مصطفى عثمان أودعت إليه بقاعة الصداقة. عدد من السياسيين والخبراء والمحللين لتقييم قراءات عميقة للكتاب. الإمام الصادق المهدي قدم ورقة تفصيلية عن الكتاب، لخص فيها قراءته وفكرته عن الربيع العربي من حيث المصطلح، ومقسماً الكتاب إلى ثلاثة أقسام حدد فيها نقاط اختلاف ونقاط اتفاق، حيث أجمل نقاط الاتفاق في الكتاب في عشر نقاط اعتبرها انتصاراً للفكرة بموضوعية، وهي أن البنية السياسية في مجتمعات الربيع العربي كانت مواتية لتحريك الشارع، وإن الثورات لم تكتمل بعد، وأن الاستقرار سيكون هو الحل النهائي هذه البلاد، واقحام الجيوش العسكرية قد أساء اليها كثيراً، وأن السلطة السياسية في البلاد العربية قد فقدت هيبتها، وأن هناك توقعات كبيرة بانفتاحات سياسية واستراتيجية في العلاقات العربية والأفريقية.. وأشار المهدي أيضاً إلى أن هذا الحراك قد يخسر الإسلام السياسي الكثير من قوته إذا فشل في التعامل مع الحريات والتنمية والحقوق والديمقراطية. فيما أشار إلى نقاط اختلافه مع الكتاب في عدة نقاط أوجزها في ربط الصحوة الإسلامية بهزيمة 67 وقال: إن هذا ليس صحيحاً.. مشيراً إلى أن الصحوة الإسلامية بدأت منذ تراجع الخلافة العثمانية في مرحلتها الأخيرة، مضيفاً بعدم صحة الإشارة إلى أن التيارات الإسلامية تأتي في مقدمة القوة التي قادت ثورات الربيع قائلاً: إن الصحيح الشباب هم الذين هم أشعلوا جذوة الثورات العربية، وهم عناصر شبابية غابت عن إدارات الأجهزة الأمنية- على حد قوله- وأشار إلى أن الحديث عن احتمالات عدم التغير في السودان هو تقدير خاطئ بدليل انخراط العديد من الشباب في حركات مسلحة وأخرى مطلبية واحتجاجية واسعة، وتآكل إتفاقيات السلام وشروخ في جدار الكيان المدني والعسكري، كلها علامات تشير إلى التغير.. مضيفاً إلى أن السودان لا يجد قبولاً لدى شعوب الربيع العربي، وهناك رفض ونقد للتجربة الإسلامية السودانية حتى من قبل أصحاب المشروع. من جانبه قال د. عصام أحمد البشير رئيس مجمع الفقه الإسلامي إن هناك تيارين برزا خلال ثورات الربيع العربي، التيار الأول ديني متشدد يريد تكميم الأفواه، وأن لا يسمع إلا صوته، بالاضافة إلى طرحه لقضية الأسلمة والتعريب.. أما التيار الثاني هو تيار علماني ينصاع إلى رؤية سياسية وضعتها منظومات عالمية، واستشهد بالحالة المصرية والصراع الدائر ما بين الإسلاميين والعلمانيين، وكذلك الحالة الليبية التي ما تلبس أن تغير مجلسها أثر كل خلاف.. في ذات السياق تحدث الدكتور عبد الله علي إبراهيم خبير العلوم السياسية قائلاً: إن ثورات الربيع العربي انتهجت نوعاً جديداً من الخلاف، وهي ثورات جاءت نتاجاً لتردي الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأنها أيضاً نتيجة صراع عقائدي. غير أن الجميع أجمعوا على عدم اكتمال هذه الثورات نتيجة للمدافعة والممانعة ما بين القادمين الجدد من ثوريين، وما بين الذين وصلوا عبر صندوق الانتخاب من الإسلاميين والكتل الأخرى من الأحزاب الليبرالية.. مشيرين إلى أن الحلول تكمن في أن الحوار العميق بين كل هذه المجموعات دون الإقصاء والاستقطاب الحاد سوف يؤدي إلى تكوين أنظمة ديمقراطية جديدة، مؤكدين أن إدارة الحوار الداخلي بتعقل وإرادة سياسية مع الاتصال بالخارج يمثل أرضية ثابتة لبناء نظام سياسي متماسك، للخروج من نفق الصراع الدائر الآن ما بين ممانعة ومعارضة لحكومات منتخبة.