ما من معجب بالغناء العربي وإلا أعجب بغناء الفنانة اسمهان التي تعتبر من أجمل الأصوات التي عرفها المستمع العربي ويعد صوتها من أجمل الأصوات التي تجمع القيمة والندرة في التمتع بالمفردات والأداء الجميل فهي تملك صوتاً مميز النبرات، سليم الذوق، وميزة صوت اسمهان من ضمن أصوات «السبرانو» المشهورة عالمياً فأصبح غنائها مريح التأثير في الاستماع.. وكان صوتها يجمع بين جماليات صوت المرأة، ونعومة صوت الكمان.. وجاءت إسمهان إلى عالم الغناء وهي لا تدري أنها ستصبح فنانة يستمع إليها الناس.. فبدأت رحلة المعاناة والتعب عندما جاءت على ظهر باخرة تركية قادمة إلى بيروت من ميناء أزمير التركي بصحبة والدتها وأشقاءها في يوم 24 نوفمبر عام 1912م، واستقروا أولاً في جبل العرب، ولم يتحملوا معاناة المعيشة الصعبة، وفكروا في الذهاب إلى مصر واستقر بهم المقام، وتفتحت أعينهم على الدنيا، وظهرت موهبة اسمهان كمغنية فريدة عصرها، وظل الجمهور المتعطش للغناء يتابعها أين ما غنت ونالت شهرة في البلاد العربية بالرغم من أنه لم تكن الإذاعات والتلفزيونات موجودة في ذلك الوقت، لكن صوتها الجميل عبر كل الأقطار وأخذت أسم اسمهان الفني بدلاً من أسمها الحقيقي وأسمها الأصلي(أمال فهدالأطرش).. وهي شقيقة الفنان فريد الأطرش، وأطلق عليها هذا الاسم الملحن المصري داوؤد حسني، وجاء هذا الاختيار نسبة لمطربة فارسية اسمها اسمهان فكانت فريدة عصرها، وفاتنة جميلة الجميلات، وكانت تجمع حلاوة الصورة وحلاوة الأداء، وعاشت في القرن التاسع عشر، وقال كثيرون ممن عاشوا تلك الفترة أن غنائها يثير البهجة والسرور في النفوس، وفي الوقت نفسه يسيل الدموع عندما يؤدي نغماً شجياً يعبر عن حالة وجدانية صادقة كانت كل هذه الصفات كفيلة بأن يطلق على الفنانة الجديدة اسم أسمهان، لما تمتاز به من موهبة وأداء مثل اسمهان الفارسية، ويرجع الفضل للملحن داؤود حسني الذي رعاها فنياً وقدم لها أجمل الألحان التي صدحت بها اسمهان في بداية حياتها الفنية.. وتولى تدريبها على حفظ وأداء وغناء الموشحات إلى جانب الأناشيد الدينية عندما قدمت موشحات على محمود. ونجحت اسمهان في كل ما قدمته، وتعاونت مع كثير من الملحنين الذي عرفوا نبرات صوتها والخمائل التي يتحلى بها صوتها، قام كل منهم بوضع نغماته المعبرة التي قدمتها اسمهان لكل منهم وعلى عكس ما قدمته من ألحان شقيقها فريد الأطرش وهي أغنية (ليالي الأنس) التي قدمها في حفلة «فيينا» وكذلك الأغاني والألحان التي وضعها في فيلم انتصار الشباب التي شاركت بطولته، وأخرجه أحمد بدر خان، ونجحت كذلك في الإلحان التي قدمها محمد القصبجي، وأدخلت اسمهان في غنائها تميزاً رومانسياً!! عندما قدمت الألوان البديعة التي تمزج التعبير بالتطريب في الأغاني التي وضع ألحانها رياض السنباطي ومنها أغنية «لعينيك» وأغنية «أيها النائم عن ليلي سلاما»، وزاملت الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب في فيلم مجنون ليلى، وفيلم يوم سعيد إخراج محمد كريم.. وشاركت أيضاً مع الفنانة نجاة علي وعبد الوهاب في فيلم «دموع الحب» ولها أغاني في فيلم «غرام وانتقام» مع مشاركة يوسف وهبي وأصبح أسم اسمهان يملأ الصحف والسينما وكل أجهزة الإعلام والأدباء وقال عنها الكاتب الكبير محمد التابعي بأنها الحمامة المطوقة في قفص النغم الذهبي، وظلت الفنانة تقدم الجميل كل يوم بالرغم من أنها لم تعمر طويلاً لكن عطائها لا يقاس بالفترة الزمنية التي عاشتها، ولكن يقاس بمدى ما حققته من إضافات في عالم الغناء، لأن العطاء يتوقف نجاحه بقدر الموهبة والإحساس والتعبير، فهو يضمن له البقاء الذي يجعله مقبولاً على مر العصور، ثم كانت المرحلة الثانية لاسمهان نهايتها المؤلمة التي هزت مشاعر الأمة العربية عندما كانت عائدة من مصيف رأس البر بدمياط يوم 14 يوليو عام 1944م حيث سقطت السيارة بها ومعها صديقتها ماري قلادة وتوفيا في الحال ودارت شائعات كثيرة حول وفاتها بأنها فعل مدبر ولم يفك طلسم هذا اللغز حتى الآن والله أعلم، وكانت في تلك الفترة تمثل فيلم غرام وانتظام مع يوسف وهبي، ولم تكتمل بقية مشاهد الفيلم، ورحلت عن الدنيا وتأثر يوسف وهبي و هو يكمل فيلمه الذي فتحه بعزف على الكمان وأطلق عليه لحن لم يتم ، ولا زالت أغاني أسمهان تتسيد الأغاني، وهي لا زالت مطربة الأجيال بفنها الرفيع الذي أصبح تراث قومي.