من المعلوم بالضرورة ان الحركة الوطنية السودانية لم تكن حكراً على دائرة من الاسماء ضيقة، وانما كانت تتمثل في جيل كامل متكامل من المناضلين الذين قادوا شعباً باسره كان يتوق الى فك الأغلال عن بلاده، ومن هؤلاء القادة اللامعين المناضل الوطني والسياسي القيادي المعروف الراحل عبد الماجد ابو حسبو. وهو من مواليد مدينة الخرطوم 1919م لاسرة غنية كانت أملاكها تتمدد ما بين شارع الحرية الحالي وحتى حى المقرن الحالي، وتلقى تعليمه بالخرطوم حتى التحق بكلية غردون التذكارية، الا انه انضم الى زمرة الطلاب السودانيين الهاربين الى مصر بحثاً عن التعليم العالي، حيث هرب الى مصر عام 1936م وإلتحق بكلية الحقوق بجامعة الاسكندرية، وتخرج فيها ليعمل بالمحاماة فترة، ثم تفرغ للعمل السياسي. وأكثر أهل السودان لا يعرفون الاستاذ عبد الماجد ابو حسبو الا بحسبانه قيادياً كبيراً في الحركة الاتحادية ووزيراً متميزاً عن الحزب الوطني الاتحادي في عدد من الحكومات الإئتلافية، ويكاد يغيب عنهم تماماً إنه كان قبل ذلك يسارياً قيادياً في الحركة الشيوعية بوادي النيل، اذ انه عندما كان بمصر انتمى الى حركة التحرر المصري، وهى حركة شيوعية سرية كان اسمها يختصر في (ح.ت.م)، ثم تطورت فيما بعد الى الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني والتى اشتهرت بلفظ (حدتو)، وكانت الحركة وقتها تضم المصريين والسودانيين تحت لافتة (الكفاح المشترك)، ويعتبر أبو حسبو أول سوداني ينال عضوية اللجنة المركزية للحركة، بل وكان من الذين يقومون بالتدريس في خلايا الحركة، ويذكر ان من بين تلاميذه في الحركة الزعيم الشيوعي السوداني الراحل عبد الخالق محجوب. وقبل عودته الى السودان هجر أبو حسبو الحركة الشيوعية وانضم لحركة الاتحاديين السودانيين، وذلك في العام 1947م، ويقول في مذكراته ان انضمامه للاتحاديين، من بين اسباب اخرى كان بتأثير مناقشات بينه وبين الرمز الاتحادي المعروف خضر حمد خلال زيارات الاخير الى مصر، وعند عودته للسودان عام 1949م أصبح ابو حسبو عضواً في اللجنة التنفيذية بالحزب الوطني الاتحادي والذي اصبح لاحقاً (الحزب الاتحادي الديمقراطي). وعندما بدأت سياسة السودنة التى نصت عليها اتفاقية 12 فبراير 1953م والتى كانت هي البوابة المؤدية للاستقلال، كلفه الزعيم اسماعيل الازهري بجمع تبرعات مال (الفداء) لتعويض الاداريين الانجليز عن خدماتهم بالسودان، وبعد احداث اول مارس 1954م اسندت له سكرتارية لجنة (مال الوفاء) لتعويض ضحايا رجال الشرطة الذين قتلوا في تلك الاحداث. بعد انتصار ثورة اكتوبر الشعبية 1964م، وفي التشكيلة الوزارية الثانية عام 1967م التى تراسها الزعيم الراحل محمد احمد المحجوب تولى ابو حسبو حقيبة وزارة الاشغال، وفي مايو من عام 1967م (قبل النكسة العربية) تولى الاستاذ عبد الماجد أبو حسبو حقيبة وزارة الثقافة والإعلام، وكان من انجح الوزراء في هذه الوزارة الاستراتيجية حيث اشاعت في الفضاء الثقافي والأدبي والفني بالسودان فعاليات نشطة ساهمت في الداخل وفي العالم العربي بما جعل للسودان مكانة مرموقة في محيطه الاقليمي والدولي، ولا شك اننا جميعاً نذكر نجاحه عبر وزارته في استقدام وتنظيم حفل كوكب الشرق أم كلثوم عام 1967م، ولأول مرة غنت بالخرطوم دون غيرها برائعتها الخالدة (هذه ليلتي)، وقد نظم هذا الحفل اساساً لدعم المجهود الحربي العربي، ولعله هو الذي فتح الطريق لاختيار ام كلثوم لأداء رائعة شاعرنا الكبير الهادي آدم (أغداً القاك). ...(نواصل)