لبعض الاصدقاء حفر في النفس ، تستعذبهم وتلوذ بهم ويصفو معهم الحديث ويكتسب الأنس رنيناً خاصاً ذا اشعاع ، من بين اولئك أمير صديق الصحفي بقناة الجزيرة . شاب يجمع بين طباع البطانة وألق الحداثة عذب وشهم و (وناس) وله ذائقة أدبية تستطعم كل أجناس الأدب، ويحفظ المسادير والدوبيت والقصص ، أشار لي ذات أنس شجي لرواية(سمراويت) وأحضرها لي وكنت مشغولاً في المفاوضات وأطالع في وقت الفراغ روايات فواز حداد فمكثت سمراويت في غرفتي زهاء الثلاثة أسابيع دون أن يمسسها بشر ودون أن تتوغل على اسطرها عيوني ، حين تعثرت المفاوضات كعادتها، وحين فرغت تماماً من قراءة ثلاث روايات لفواز حداد تذكرت تقريظ أمير لكاتب الرواية حجي جابر الأريتري الذي نشأ في جدة وعاد لأريتريا كعودة محمد عبد الحي لسنار باحثاً عن أرواح جدود تصحو وعن رمز يلمع بين النخلة والأبنوس فقلت هيا بنا يا سمراويت راوديني على فصولك لامنحك تركيز الحواس ،لبست نظارتي الطبية الكندية الصنع المجسمة لكل شولة صغيرة والمكبرة لكل فاصلة تنوء، وإستلقيت على السرير الذي خصنا به سمو الأمير حمد ، سرير هش ومستو يقلص آلام الظهر ويضاعف الإحساس، بالراحة وبسم الله، وكبرياء الشعب الأريتري بدأت أقرأ (سمراويت) وبدأت علاقتي الفعلية بكاتبها حجي جابر دون أن أراه! أنا الريح تأخذني الإتجاهات إلى غيرها كي أرد إحتمال المنافي إلى الأمكنة بهذا الإستهلال وقعت في أسر حجي جابر فهذا شعر لصديقنا الشاعر محمد محمود الشيخ المعروف بمحمد مدني كنا لا نفترق في منتصف السبعينات وفجأة سمعت بأنه سافر إلى(الميدان) ولم أكن أعرف خلال إمتداد صداقتي له أنه أريتري، وما يزيدني يقيناً بذلك الإعتقاد أنه يلقب بمحمد مدني، فقد عاش في تلك المدينة وأكتسب شقفاً من طباعها اللبرالية وطعمها العذب النضج مذاقها الطازج ونكهتها الحارقة ، ثم توغل بي حجي في أسمرا شارعاً شارعاً وجلست معه في المقهى يفصلنا كوم من التاريخ فيه الطليان والأحباش والأخاديد وقبر بوشكين لم اكن أعرف قبل قراءتي لهذه الرواية أن الروائي الكبير الذي هز روسيا هو أريتري الأصل، وأن بقاياه مدفونة في اريتريا، وعرفت أن السعوديين قبل الرفاه السرابي كانوا يهاجرون لاريتريا، ويعملون رعاة وعندما (فرجها الله) في واد غير ذي زرع عادوا !! وعندما غزت اثيوبيا اريتريا ضمهم الملك فيصل بذراع الإمتنان، ومنحهم إقامات خاصة، تحت الرقم (44) أتابع باذن الله في الحلقة التالية فحجي جابر يستحق أكثر من حلقة.