تابعت كما تابع الكثيرون من المهتمين بشئون الخطوط الجوية السودانية الافادات والمداخلات والاضافات التي إنفردت بها قناة الشروق حيث اسفرت هذه الافادات عن تباين في الاراء والاتجاهات بصورة يصعب السكوت معها. أمران رئيسيان كانا يمثلان المحور الأساسي لتلك المداخلات وهما : أ/فقدان مواقع هيثرو. ب/خصخصة الشركة وتحويل معظم اسهمها لمجموعة عارف والفشل الذريع الذي صاحب التجربة. إن الكثيرين من المهتمين بصناعة الطيران بصورة عامة وبمستقبل الخطوط الجوية السودانية وخصخصتها ومن بينهم كاتب هذا المقال قد تطرقوا الى هذه الامور في وقتها وبصورة متصلة من خلال مقالات نشرت في الصحف حيث كانت هنالك اراء وافكار تجاه الخصخصة وتجاه مجموعة عارف تحديداً ، لو وجدت من الاهتمام ماتستحق ربما كان الحال غير الحال . ان احدى مشاكلنا الرئيسية اننا نتحسر على اللبن المسكوب بعد فوات الاوان ولا نضع التحوطات والمحاذير الكافية لتنجب الانذلاق في مثل هذه المطبات الحرجة , عندئذ فقط نبحث عن وسائل (المخارجة)! وعلى اية حال طالما ان مواقع هيثرو وخصخصة الخطوط الجوية السودانية قد تم تسليط الاضواء عليها بهذه الطريقة وقد استحوذت على اهتمام كبير ، يصبح لزاماً ان نبدئ رأياً ونعكس مانراه صحيحاً من منطلق وجهة نظر خاصة وذلك انطلاقاً من الانتماء الكبير الذي يربطنا بهذه المؤسسة . فيما يتعلق بمواقع هيثرو ومادار حولها من توضيح واراء ارجو ان ابدي الملاحظات التالية: * ان أي خط تجاري لا يؤدي الى مهبط لا قيمة له ، وعليه فإن الحديث حول اننا لم نتفقد الخط وقد فقدنا الموقع يعني في الواقع اننا قد افتقدناهما سوياً ، هذا بالطبع على افتراض ان مطار هيثرو تحديداً هو المعنى بعملية الهبوط والايواء وليس سواه ، معلوم ان جميع مطارات بريطانيا المتبقية لا تحمل القيمة الكبيرة التي ينفرد بهما مطار هيثرو ففي هذه الحالة فإن جميع الطرق لا تؤدي الى روما. * مطار هيثرو هو المطار الذي تتوفر فيه جميع جوانب الجذب التسويقي لشركات الطيران ، ربطاً بدول العالم جميعاً وربطاً للواصلين الى لندن بجميع بقاع المدينة والدولة بصورة سلسة وفيه تتوفر الخدمات الفنية للطائرات وصيانتها اضافة الى التجهيزات الضرورية والمتقدمة والتي تتوفر في هذا المطار دون غيره وإمتيازات اخرى يضيق المجال عن سردها . بقية المطارات لا ترقى الى هذا المستوى وهي في مجملها لا تعدو أن تكون مطار للرحلات العارضة او لشركات الطيران ذات التكلفة المنخفضة (low cost air lines ) وبعضها ينفرد بارتباطات داخلية في اوربا فقط دون غيرها إضافة الى محدودية مدرجاتها. * قيمة المهبط في مطار هيثرو في تصاعد مستمر وهو يمثل لشركة الطيران اصول غير مرئية وغير قابلة للإهلاك ، مثلا قيمة الطائرة مهما بلغت فإنها تواجه نقصاناً مستمراً على العكس من المهبط . وبالتالي فإن القيمة الحالية (present value) عاليه جداً لإرتباطهاً بمدى طويل وغير منظور. * معظم شركات الطيران الكبرى ظلت طوال السنوات الماضية تسعى بكل الوسائل لزيادة عدد مهابطها في مطار هيثرو دون جدوى وهذا بدوره يؤدي الى ارتفاع القيمة (ارتفاع الطلب مع محدودية العرض يؤدي الى ذلك) خاصة اذا علمنا ان هنالك طائرة نهبط وتقلع في خلال كل دقيقة ونصف ! وهذا بدوره من شأنه ان يجعل من منح مهابط اضافية امراً صعباً ان لم يستحيل. ü لهذه الأسباب فإن شركة(BMI) والتي استحوذت على مواقع سودانير عندما تم بيعها للخطوط البريطانية بواسطة لفتهانزا كان احدى شروط البيع الاحتفاظ بحد ادنى للمهابط تم تحديده بإثنا عشر مهبطاً ، ومن دون ذلك تصبح الصفقة غير نافذه . هذا الأمر يوضح عمق الإهتمام بهذه المهابط بإعتبارها تمثل احدى الركائز التسويقية الهامة لأي شركة طيران تعمل في اوربا. تعليقاً على مادار في حلقات قناة الشروق أرجو أن أوضح آرائي الخاصة دون التطرق لشخص بعينه اذ أن هدفي هو تصويب الرأي مدحاً أو ذماً نحو مسميات إدارية وليس اشخاص باعتبار ان تلك المسميات الادارية هي ملك لعموم الشعب السوداني . ü معلوم أن علم الادارة بطبيعة الحال عالمي ووظائفه والاسس التي يقوم عليها عالمية بغض النظر عن المكان والمستوى الاداري وطبيعة الشركة ، وبالتالي فإن احدى مرتكزات هذا العلم قائمة على أساس ان المسئولية لا يمكن تحويلها(responsibility cannot be delegated) الصلاحيات وحدها التي تحول وبذلك يصبح مجلس الادارة ورئيسه وكل من له علاقة به مسئولون بصورة مباشرة خاصة في الأمور التي تفضي الى بيع او مبادلة بمبالغ تصل قيمتها عشرات الملايين من الدولارات . وبما أن قيمة مهابط هيثرو ربما تصل الى مايقرب من نصف القيمة الكلية للشركة ، فإن محاولة رئيس مجلس الادارة للتنصل من المسئولية بهذه الكيفية التي تابعناها تصبح محاولة تفتقر الى المنطق والسند العلمي. الغريب في الامر أن رئيس مجلس الإدارة ولأول مرة في تاريخ الخطوط الجوية السودانية يستحوذ على مكتب دائم وسط الجو التنفيذي وبصورة دائمة , وبما انه قد ذكر ان ليس لديه اي نصيب في مساهمات الفيحاء فإن السؤال الذي يتبادر الى الذهن، هل هذا هو مكانه الطبيعي ؟! ثم أن رئيس مجلس الإدارة طالما انه قد فضل ان يكون وسط الطاقم التنفيذي فإن من المفترض ان يشتم ان هنالك روائح نتنه بدأت في الإنتشار وهمس ولمز يدور حل مواقع هيثرو واستبدالها وتحويلها .... الخ خاصة ان مباني الشركة متداخله وتمتاز بدوائر مغلقة تكاد أن تسمع فيها دبة النمله ! وبالتالي كان من المفترض ان يضع الأمور في نصابها قبل فوات الاوان . * في تقديري الشخصي أن هنالك غفلة إدارية قد حدثت واستغفال يفوق حد الوصف قد تمت ممارسته في استبدال مواقع هيثرو ، ولقد اقيم احتفال في فندق روتانا في اعتقادي الشخصي ان ذلك اللقاء الذي قيل انه بغرض تطبيق تبادل الرموز (code sharing) هو بمثابة التغطية وصرف الانظار عن الموضوع الرئيسي وهو مقايضة المهابط (swap) والتي تمت بالفعل. إن عملية تبادل الرموز هذه لها شروط كثيرة أقلها أهمية لا تتوفر في الخطوط الجوية السودانية ولا بد من التساؤل اين موقع الخطوط الجوية السودانية من اي شركة أوربية وهل هنالك وجه للمقارنة؟ أين تنتهي شركة (BMI) حيث تبتدئ الخطوط الجوية السودانية واين تنتهي الاخيرة حيث تبتدئ الاولى ...؟ يفصلنا مدى شاسع يتمثل في شمال افريقيا التي لا تصلها الخطوط الجوية السودانية والبحر الابيض المتوسط وجنوب أوربا ، ويفصلنا ايضا الفارق الشاسع في المستويات ، اذا اين موقع تبادل الرموز؟! * ان الذريعة التي يحتمي بها البعض بأن الامر لا يعدو أن يكون مقايضه (swap) خير منه الاعتراف بالخطأ بدلاً من التشبث بخيط أوهن من خيط العنكبوت , دعني أوضح بصورة مختصرة هذا الامر. ان مطار هيثرو يتم اغلاقه أمام الملاحة الجوية عند منتصف الليل تقريباً ... موعد الخطوط الجوية السودانية هبوطاً وإقلاعاً بعد الظهر وحتى المغرب ... وبالتالي فإن الزمن المتبقي لإغلاق المطار يستوعب إي تأخير أو عطل فني أو متغيرات أخرى قد تحدث . الموقع الذي تم استبداله في حدود الحادية عشر مساء ! وبالتالي فإن أي شركة ، خاصة تلك التي تأتي عبر البحار عرضة التأخير وإن حدث أن تأخرت نصف ساعة وهو أمر طبيعي فهذا يترتب عليه الآتي: 1 . تحويل مسار الطائرة الى مطار آخر. 2 . تحويل الركاب القادمين الى الفنادق. 3 . تحويل الركاب المغادرين الى الفنادق. 4 . طاقم الرحلة يكون قد استنفذ ساعاته المحدوده وفق القانون وبالتالي يحتاج الى راحة اضافية. 5 . الطائرة نفسها مرتبطة بجدول من الخرطوم وبالتالي فإن مثل هذا التأخير ينعكس على كل جدول الرحلات تأخيراً وإلغاء. استطيع أن أؤكد أنه لو كان موعد وصول الخطوط الجوية السودانية في الأساس في مثل هذا الوقت لما تمكنت من الوصول الى لندن عبر تاريخها الطويل (مابالكم كيف تحكمون سيدي رئيس مجلس الإدارة أليس فيكم رجل رشيد؟!). * ان الحديث حول أن الإخوه في الكويت يحتفظون بمودة خاصة لنا نعتز ونفتخر بها لكن لدينا مثل شائع (أكلوا أخوان وتحاسبوا تجار) خاصة اذا كانت تلك التجارة التي تديرونها نيابة عن شعب السودان ينبغي ان تكونوا حريصين عليها. * التصريح الذي أدلى به السيد/مدير سودانير الاسبق بأنه من الممكن طلب اعادة المهبط وسوف يتم ذلك . ان السيد/المدير السابق يعلم علم اليقين مدى الاحترام الذي احتفظ به له ... لكن في تقديري ان هذا التصريح لم يحالفة التوفيق الى ان يثبت العكس... أعتقد أن هذا الموقع قد ضاع والى الأبد لان تحويله قد تم بتوقيعات معروفة ، وقد ابتلعت الادارة طعماً سوف يظل غصة في الحلق الى وقت طويل. * المستشارالسابق لمنظمة الطيران الافريقية