* يحيرني ويطربني في آن انحياز ثقافة ما.. للصعاليك.. للشماسة.. للشعث الغبر وبالتالي الوقوف ضد مقابلهم من الملوك والسلاطين وسُراة القوم. * بل أن الثقافة الشعبية السودانية تحذر من الوقوف على أبواب السلاطين.. (كُل ياكُمي قبال فمي). * وظللنا نعجب بشخصية (أرسين لوبين) اللص الظريف الذي يتعاطف مع الفقراء وقد يسرق من الأغنياء ليمنح الفقراء. * وأيام المحاكمات الفورية التي سماها نميرى العدالة الناجزة.. كانت شخصية (الواثق) الذي أعدمه أحد قضاة ذياك الزَّمان.. قد تحولت إلى شخصية سودانية، وسمعت حكايات عن ايثاره.. ورقته.. وعطفه تجعله في مصاف الخيرين لا المحكومين بالإعدام. * وحتى في أيامنا هذه يتحول إلى بطل عند بعض الناس من يقع في مغبة انفلاته وصعلكته فيصبح محبوباً بسبب شقه لعصا الطاعة. * ولما كنت حسب عملي آنذاك أتابع المحاكم.. فقد كنت أتأمل المحكوم عليهم بالجلد.. أمام الناس.. رأيت الناس يصفقون لهم إعجاباً بجلدهم في احتمال الجلد.. وكانوا يسلمون على المجلود.. وكأنه بطل رياضي انتصر لفريقه. * وارسين لوبين هذا سبقه إلى الذيوع صعلوك عربي وشاعر هو عروة بن الورد وكان يدعى عروة الصعاليك.. وهو من رؤوسهم وكان يؤويهم ويوزع عليهم ما يغنمه في مغامراته، وقد توفى أول الإسلام ومن أبياته الشهيرة التي لا يمكن أن تُصَدِّق بأنها لصعلوك تلك التي تقول: وانى أمرؤ عافى انائي بشركة وأنت أمرؤ عافى انائك واحد اتهزأ مني أن سمنت وأن ترى بوجهي شحوب الحق والحق جاهد اقسم جسمي في جسوم كثيرة وأحسو قراح الماء والماء بارد هل كان (عروة) ينادي بالإشتراكية؟ وهل سبق الماركسية في المطالبة بديكتاتورية البروليتاريا؟. * هل داخل كل منا (صعلوك) بطريقةٍ أو بأخرى؟! ولكننا نقمعه حتى نظل ضمن الأسوياء.. لذلك نهلل للصعاليك ونطرب لهم. * لماذا أحب الناس(مندورأبو دهب) في المسلسل المصري الذي بث قبل سنوات حتى أنهم جعلوه بطلاً وهو معقد وقاس وإرهابي؟!.. هل لأنه يغطي الجانب الأخر منهم.. كل داخل كل سوى منا مجرم؟! * زمان حين كنت أكتب القصة القصيرة بطريقة راتبة كان عندما يغضبني مسؤول ما.. أكتب عنه قصة.. أقتله فيها.. واسحله وأنتقم منه عبر الكلمات انتقاماً رهيباً فأتنفس وأنتقم. * أحد المسؤولين الأصدقاء أغضبني ذات مرة.. ولما أعتذر لي سألني ماذا كتبت عني.. قلت له أقصوصة صغيرة ولنشر إلى اسمه بحرف السين. * فكتبت خرج (س) من بيته وهمَّ بعبور الشارع فإذا(بمجروس) ينطلق في سرعةٍ ليطيح به في عرض الشارع لتأتي شاحنة ضخمة فتدوس عليه وتسويه مع الأسفلت حتى انطبع جسده عليه..! فصاح لا تكمل: إن غضبت مرة ثانية فماذا تفعل أقسى من هذا؟ قلت هذا اغتيال أدبي مادي وأخطر منه الإغتيال المعنوي. عموماً في داخل كل منَّا.. صعلوك.. نهواه سراً ونلعنه جهراً.