كتب الأستاذ محمد عبد الماجد عن الاستبيانات التي تظهر في بداية كل عام وهي تكرر ذات الإنجاز لذات الشخصيات.. مستنكراً ثبات شخص واحد على قمة «الأحسن واحد».. حقيقة هنالك استبيانات تختار نجوماً من مختلف المجالات تضحك كثيراً من اختياراتها.. حتى تتساءل إن كان أحسن هو هذا فمن يكون الأسوأ.. طبعاً بسبب الجهل الإحصائي والكسل عن عمل الاستبيان.. وعدم وجود عينة تم استبيانها في الأساس.. أو في أحسن حالات تكون العينة قاصرة على فئة واحدة.. كما أن المجاملة تلعب دورها في اختيار الشخصيات وهنا لا يسمى هذا استبياناً.. فلتقل الجهة إنها اختارت هؤلاء نجوماً للعام «بمزاجها» لكن أن تنسب ذلك إلى استبيان مغشوش غير علمي أو غير دقيق فهذا لا يستقيم مع العلمية والموضوعية.. وكثيراً ما كنت أحد أفراد عينة في استبيانات كثيرة لقياس الرأي أو لرصد ظاهرة.. أو متابعة عمل مؤسسة أو هيئة.. وفوجئت بمجانبة محيرة.. ولما كان ضمن المناهج التي درستها في الجامعة مباديء علم الإحصاء.. فلديّ فكرة فى الأمر.. ربما بعض الخبرة.. كنت أرى أشكالاً من القصور.. أصغرها الاعتماد على نوع واحد.. أو جنس واحد.. أو فئة واحدة.. على سبيل المثال رجال فقط أو صحافيون فقط.. أو طلاب.. وهكذا فيفقد الاستبيان أهم مقوماته.. وأكبرها تدخل فى باب الفساد والغش والخداع والتدليس.. أن يملأ الباحث كل الأوراق فقط بتقمص الشخصيات وموضوع الاستبيان.. طبعاً إذا كان الأمر يمضي إحصائياً بشكل هرمي.. فإن الأكبر سيكتشف زيف الاستبيان.. فالموضوع «ما مطلوق ساكت».. والذي يمتلك الوعي الاحصائي ويعرف أساليبه يستطيع أن يميز الخبيث من الطيب.. أنا ذاتي مرة أقوم باستبيان شخصي لإشباع ذاتي.. فذات مرة تعرضت لاستبيان من قبل طالبة دراسات عليا في علم النفس وكان موضوعها الأدباء والكتاب وانعكاسات المهنة أو الموهبة عليهم.. فكان أن سألتني عدة أسئلة أدهشتني حين سألتني إن كنت أصاب بالصداع دائماً.. فقلت لها بل نادراً وذلك عندما يكون الصداع إشارة إلى مرض.. أو عرضاً لمرض.. لكني والحمد لله لا أعاني من الصُداع.. فاندهشت إذ كل من أستطلعتهم أقروا بإصابتهم الدائمة بالصداع بسبب توترات المهنة أو الموهبة.. فقلت لها بالنسبة لي التوتر لا يسبب لى صداعاً إنما «يبوظ» جهازي الهضمي.. وذلك على عكس الناس إن صح ما توصلت إليه من نتائج.. أما الذي أربكني فسؤال مؤداه: إن عثرت على طاقية الإخفاء فماذا تفعل.. قلت لها هل البحث سري.. وأجبت عليها بصراحة أدهشتها.. وطبعاً لو كان السؤال للصحافة أو للإعلام لما أجبت بذات الصراحة.. لكني فيما بعد.. عملت استبياناً شخصياً لعينة من المثقفين صحافيين وصحافيات.. معلمين ومعلمات.. محامين ومحاميات وسألتهم نفس السؤال: ماذا تفعل بطاقية الإخفاء.. تهرب أكثر من خمسين في المائة من الإجابة على السؤال الذين أجابوا أو تجملوا.. أو قالوا مثاليات.. مثل أحدهم وإحداهن قال سيستخدمها بالذهاب إلى غزة لنصرة الفلسطينيين وكانت آنذاك مشتعلة.. أحدهم تمثل بعروة بن الورد شاعر الصعاليك.. أو ارسين لوبين اللص الظريف يسرق من الأغنياء ليمنح الفقراء.. أحدهم قال لن أستخدمها وسأقوم بإحراقها حتى لا يستخدمها غيري.. أحدهم قال طالما الموضوع افتراضي فسأتلصص بها.. وكل من يستخدمها سيفعل مثلي.. واحدة زوجها متزوج من امرأة أخرى قالت ستري ماذا تبيّت لها ضرتها حتى تتقي شرها. في النهاية استمتعت بالاستبيان جداً مع أنه خاص جداً وليس بسبب بحث علمي أو غير علمي.. لكن مع ذلك ما بذلته من جهد أكبر مما بذله الإحصائيون غير الأمناء أو الذين يبسِّطون الأمر.. وعليهم أن لا يسموا ذلك استبياناً.. بل مزاج خاص.. أو اختيار فردي.. فشتان ما بين هذا وذاك.. لأن التدخل في الاستبيان أو تجبيره لصالح موقف ما.. أو تزييفه على أي شكل يعتبر جريمة لا تغتفر!