وما زلت متحكراً.. على الكرسي المترف الوثير وكأنه وسادة محشوة بالمخمل.. وما زلت في قلب قاعة المجلس الوطني.. تلك التي تشع من سقفها الثريات.. وما زلت أضع أقدامي في أرضها المكسوة بالموكيت.. وما زلت أستنشق ذاك الهواء المنعش العليل الذي يتدفق هامساً من أجهزة تبريد تحترم وتتأدب في حضرة الزمان والمكان.. وأزيزاً خفيضاً وهمساً وهي تنفث دفقات من دعاش.. ويذهب بي هذا الترف بعيداً.. لأهتف سراً.. يا إلهي هل أنا في الخرطوم.. أم في قمم الألب.. أو تراني «أنبطح» على الرمل.. في هونولولو.. تلك التي تهوى..«هاواي».. في ذروة أحلامي تلك يوقظني.. صوت غاضب مجلجل.. والباشمهندس مسار يكيل بالربع الكبير للمؤتمر الوطني.. يرسل الرجل شواظاً من لهب إلى حلفاء الأمس أعداء اليوم.. يهتف ملء فمه ومن آخر بوصة من تجاويف صدره «إنتو يا ناس المؤتمر الوطني لو استمريتو على الوضع دا حتغطّسو حجرنا كلنا» وتجتاحني الدهشة.. وليتها كانت تلك الوسيمة البهيّة دهشة الحبيب «الدوش» أين أنت يا صديقي.. نحن ما زلنا نحتفي بدهشتك تلك الفاتنة.. بل صوت وردي يزهو في فرح طير طليق.. وأمتع روحي بالدهشة.. دهشتي حزينة باكية يا باشمهندس مسار.. أنسيت أيام العناق.. والحب والوصال مع المؤتمر الوطني.. أنسيت أمسيات وليالي ونهارات الإقتراع والتصويت في دائرة الثورات الدائرة 13.. كيف تنسى ذاك الغناء السعيد وأنت ترسله للمؤتمر الوطني.. باقات ملونة وزنابق وأزاهر.. وديباجة مزخرفة مكتوبة على قشر البرتقال وبمداد عصير الورود وإنك في شعوري وفي دمي.. ليرد عليك المؤتمر الوطني.. مندهشاً ومستنكراً.. عجباً يقول الناس إنك هاجري.. يا باشمهندس.. هل عرفت الآن أن المؤتمر الوطني.. سوف يغطس البلد كلها.؟. ولماذا الآن.؟.وسؤال فرعي وبريء.. ألم نغطس كلنا وحتى الآن.؟. «طيب» إذا لم «نغطس» كلنا حتى الآن.. بالله عليك «ورينا» كيف هو الغطس.. وما هو عمق القاع الذي لم نصله بعد.. باشمهندس مسار.. لو كنت مكانك لما جرحت «مشاعر» المؤتمر الوطني بكلمة واحدة.. ومسترجعاً أفضاله.. بل قل فضله الذي ما كان يجب أن يغيب عنك لحظة واحدة أو لمحة عابرة.. وهو إنه -أي المؤتمر الوطني- هو الذي جعلك.. تجلس في مقعدك هذا.. في القاعة هذه.. وأن تكون عضواً في المجلس الوطني.. بالله عليك كيف تنسى أن المؤتمر الوطني.. هو الذي «أفرغ» لك هذه الدائرة وهو الذي جعلك نائباً في هذا البرلمان.. وممثلاً لهذه الدائرة.. وأقسم بالذي رفع السماء بلا عمد لولا ذاك الدعم الجماهيري وتلك المظلة - مظلة الدعم والمؤازرة والمساندة من المؤتمر الوطني- لفاز بل اكتسحك حبيبنا وأستاذنا الهندي عز الدين اكتساح «برشلونه» لو تبارى مع فريق «الشعلة» برابطة «زقلونا».. «ياخي» أحفظ الجميل.. وأنشد في حضرة المؤتمر الوطني.. إنشاد البحتري وهو في حضرة «المتوكل.. أخجلتني بندى يديك.. فسودت ما بيننا تلك اليد البيضاء». وأواصل حديثي.. والمكرفون مفتوح بإشارة من أصبعي وبلا استئذان من المنصة.. أواصله مخاطباً هذه المرة السيد النائب المحترم هجو قسم السيد الذي اعترض على حديث المهندس مسار عندما زمجر غاضباً.. المقام ليس للحديث عن الأحزاب إنما عن الدولة وأجهزتها التنفيذية.. هنا قلت في ثقة الواثق:« سيدتي رئيس الجلسة الموقرة.. بالله عليك دعيني أسأل نائب الرئيس السيد المحترم.. هجو سؤالاً واحداً.. وأرفض تجاهله تماماً.. «يعني» أصر وألح إلحاحاً في حصولي على إجابة.. لسؤالي: ما هو الفرق بين المؤتمر الوطني والدولة.. أو الأجهزة التنفيذية؟؟ هنا تنفجر في وجهي الأستاذة سامية.. قائلةً.. أيها العضو المحترم.. من سمح لك بالحديث؟؟ واذا تحدثت بدون إذن سوف تغادر هذه القاعة فوراً.. مفهوم..؟؟؟!!!