يقع مشروع دلتا طوكر الزراعي على بعد 150 كلم جنوب مدينة بورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر، وتبلغ مساحته الكلية حوالى 406 آلاف فدان، وتعتبر أراضي دلتا طوكر من أخصب الأراضي الزراعية على مستوى العالم، كما يعد مشروع دلتا طوكر من أقدم المشاريع الزراعية في السودان حيث يعود تاريخ تأسيسه إلى العام 1867م وتعتبر مدينة طوكر القلب النابض للمشروع وبها رئاسة محلية طوكر التي تحدها من الجنوب الشرقي محلية عقيق وشمالاً محلية سواكن وغرباً تحدها محليتا سنكات وهيا، وتبلغ المساحة الكلية للمحلية حوالى 8900 كلم مربع. يعتبر مشروع دلتا طوكر الزراعي مصدر العمل الرئيسي لسكان المنطقة، لكن المشروع خلال السنوات الماضية شهد تدهوراً كبيراً على المستوى الإنتاجي جراء انتشار شجرة المسكيت في الأراضي الزراعية للدلتا، كما ساهمت السياسات الخاطئة التي تم العمل بها في هذا التدهور من حيث عدم ثبات تبعية المشروع بين المركز والولاية، بالإضافة إلى عدم وجود هيكل وظيفي ونظام إداري ثابت وعدم وجود قانون ولوائح منظمة للعمل، الأمر الذي انعكس سلباً على السكان ودفع بالعديد منهم للهجرة من المنطقة وترك العمل في مجال الزراعة، وبالتالي تدهور خدمات الصحة والتعليم والمياه والكهرباء بالمحلية. عقب تولي والي البحر الأحمر الحالي محمد طاهر إيلا لمقاليد السلطة في الولاية في العام 2005 سعى لطرح عدد من الخطط التنموية التي شملت جميع محليات الولاية، وكانت رؤية حكومة إيلا لتنمية محلية طوكر تتمثل في نقل مدينة طوكر من موقعها التاريخي إلى منطقة تبعد حوالى 17 كيلو متراً شمالاً وإنشاء مدينة أطلق عليها طوكرالجديدة، رفض مواطنو طوكر بمختلف فئاتهم هذا الطرح وقدموا عدداً من المبررات لهذا الرفض أهمها بعد المنطقة المذكورة عن الأراضي الزراعية بالدلتا، بالإضافة إلى عدم تقديم حكومة الولاية لتعويضات مجزية للمواطنين الذين سوف يتم تهجيرهم. من جانبها لم تبالِ حكومة الولاية برفض مواطني طوكر لفكرة التهجير حيث أصرت على خطتها بنقل المدينة وشرعت في إنشاء المدينةالجديدة وأوقفت أي خطط تنموية تشمل المدينة القديمة، خلق هذا الوضع حالة عداء بين مواطني طوكر وحكومة الولاية وأصبح أبناء طوكر ينظرون للحكومة على أنها تسعى لاستعدائهم برفضها قيام مشروعات تنموية بمدينة طوكر القديمة، بل وذهب بعضهم إلى القول إن حكومة الولاية عملت على عرقلة إنفاذ بعض المشروعات التنموية التي جاءت من خارج الولاية. مع طرح صندوق تنمية وإعمار الشرق لخطة إعمار مشروع دلتا طوكر بقرض من بنك التنمية الإسلامي بقيمة 50 مليون دولار، عادت للسطح الأصوات التي تطالب الصندوق بضرورة إبعاد حكومة الولاية من الإشراف على هذه الخطة، بل وقال بعضهم بوضوح إن مبلغ ال50 مليون دولار لن يتم صرفه على إعمار دلتا طوكر إذا ما أشرفت عليه حكومة الولاية رغم تطمينات الجهة المنفذة وهي صندوق إعمار الشرق، لمواطني طوكر. سليمان محمود وهو ناشط سياسي من أبناء طوكر ومؤسس تحالف شرق السودان للتنمية قال ل«آخر لحظة» إن منطقة طوكر ظلت خلال الفترة الماضية مستهدفة من قبل حكومة الولاية وإننا نعلم أن هنالك أشخاصاً يقفون ضد تنفيذ خطة إعمار مشروع دلتا طوكر، وأضاف أن أي شخص يقف هذا الموقف يعتبر خائناً للشعب بأكمله، وأن هنالك مساعٍ لاجهاض إعمار دلتا طوكر عبر ورش العمل التي تسيطر عليها حكومة الولاية، وطالب محمود بإشراف وزارة الزراعة الاتحادية على المشروع، كما طالب بنك التنمية الإسلامي بوضع التمويل في أيد أمينة، وأردف قائلاً على أبناء طوكر النهوض ضد أي خطوات لعرقلة المشروع الذي سوف يرفع الضنك والمعاناة عن طوكر. لكن إبراهيم أبوفاطمة وزير الزراعة بولاية البحر الأحمر بدد هذه المخاوف وقال إن هذا المشروع يأتي في إطار المشروعات التي نصت عليها اتفاقية سلام الشرق وبإشراف صندوق تنمية وإعمار الشرق، مشيراً إلى أن العمل سوف يتم عبر لجان مشتركة تضم مختلف القيادات الشعبية والرسمية ومواطني المنطقة، وقال أبوفاطمة في حديثه ل«آخر لحظة» نحن كوزارة زراعة لسنا الجهة المسؤولة عن صرف المبلغ وإن الجهات المنفذة سوف يتم اختيارها عن طريق عطاءات وسوف يتم صرف مبلغ ال50 مليون دولار عبر لجان متخصصة بإشراف صندوق إعمار الشرق، وأضاف أن تخوف مواطني طوكر حيال تنفيذ المشروع غير مبرر، لأن كل ما يتعلق بمشروع تأهيل دلتا طوكر قد تمت مناقشته عبر أوراق عمل ساهمت في إعدادها جميع الجهات ذات الصلة. أما محمد الرشيد باعبود وهو أحد قيادات مدينة طوكر يبدو أكثر تفاؤلاً ويعتقد أن الخدمات الاجتماعية التي سوف تصاحب مشروع تأهيل دلتا طوكر هي الأهم بالنسبة لهم حيث يرى أن مدينة طوكر تحتاج إلى توفير خدمة الكهرباء عبر دخولها ضمن الشبكة القومية، بالإضافة إلى صيانة المستشفى والمدارس وتأهيل شبكتي المياه والكهرباء الداخليتين، مضيفاً أن كل هذه الأشياء تمت عبر تشاورهم مع صندوق إعمار الشرق، وفيما يتعلق بالإشراف على صرف مبلغ القرض قال باعبود وعدنا الإخوة في الصندوق بتكوين وحدات إدارية للإشراف على صرف مبلغ القرض، ونحن موافقون على تكوين هذه الوحدات، وأشار خلال حديثه ل«آخر لحظة» إلى أن تدخل حكومة الولاية في تنفيذ المشروع ربما يكون إيجابياً بعض الشيء لأن الحكومة بمقدورها تقديم بعض الدعم الفني الذي لا يستطيع توفيره المواطنون، ونطالب فقط بالاستعجال في توصيل الخدمات. من جانبه قال أبوعبيدة دج المدير التنفيذي المدير التنفيذي لصندوق إعادة بناء وتنمية الشرق إن تأهيل مشروع دلتا طوكر سوف يعيد للمدينة سيرتها الأولى وذلك عبر مساهمة جميع الجهات ذات الصلة في هذا العمل، وحول مخاوف مواطني طوكر من عدم تأهيل المدينة وحرمانها من الخدمات الاجتماعية مقابل طوكرالجديدة، أكد دج خلال تصريحات ببورتسودان أن الخدمات الاجتماعية سوف تشمل جميع المواطنين في طوكرالجديدة والقديمة. وما بين تخوفات مواطني طوكر من فشل المشروع وتطمينات الجهات الرسمية يظل عامل الوقت هو الفيصل بين الحقيقة والسراب، كما ستكشف الخمس سنوات المقترحة للانتهاء من خطة التأهيل حقيقة الوعود المقدمة لآمال ينتظرها مواطن طوكر الذي عانى الأمرين خلال السنوات الفائتة جراء تدهور المشروع.