في سكون الليل وهدوئه عندما يتوهج القمر، وتنتصف السماء الزرقاء وتتناثر النجوم حوله وتتلألأ، ويغط الصغار في نوم عميق، وتهدأ عواصف المعيشة المكلفة التي شغلت ألباب وعقول الغلابة الحائرين المسلمين لتلك الغلاء الحاصل.. حينها يأخذني التفكير الى هموم هؤلاء البسطاء من أين يأتون بكيس قد يحتوي على لحم-خضر- سكر- أرز-لبن- دقيق وغيره من المستلزمات المهمة جداً دون رهق وفنكهة فواكه وحلويات وجاتوهات، وإن اتجهوا الى عدس وبقوليات يبقى ثمن الكيس نفسه لا يوجد رخيصاً يذكر أو يستحق الذكر!! كيف نأكل، وماذا نأكل، وأين نقطن، غلاء في كل شيء بشكل لا يحتمل، أسئلة دارت في خلدي وخلد آلاف الفقراء قبلي دون إجابة- متى يعود الرخاء وتهدأ النفوس، وتطمئن القلوب، وتبتسم الوجوه، وينقشع الظلام، وتشرق شمس المتاح لكل إنسان فقير، عاجز عن عيشة أولاده وذويه عيشة هنية؟ كان سيدنا عمر بن الخطاب نموذجاً فريداً للحاكم الذي يستشعر مسؤوليته أمام الله وأمام الأمة، فقد كان مثالاً نادراً للزهد والورع والتواضع، والإحساس بثقل التبعة وخطورة مسؤولية الحكم، حتى أنه كان يخرج ليلاً يتفقد أحوال المسلمين ويلتمس حاجات رعيته التي استودعه الله أمانتها، وله في ذلك قصص عجيبة وأخبار طريفة، من ذلك ما روي أنه بينما كان يمر بالمدينة اذا بخيمة يصدر منها أنين امرأة، فلما اقترب رأى رجلاً قاعداً فاقترب منه وسلم عليه، وسأله عن خبره، فعلم أنه جاء من البادية وأن امرأته جاءها المخاض وليس عندها أحد- فانطلق عمر الى بيته فقال لامرأته ام كلثوم بنت علي هل لك في أجر ساقه الله اليك؟ فقالت: وما هو؟ قال: امرأة غريبة تمخض وليس عندها أحد، فقالت نعم إن شئت فانطلقت معه وحملت اليها ما تحتاجه من سمن وحبوب وطعام، فدخلت على المرأة وراح عمر يوقد النار حتى انبعث الدخان من لحيته والرجل ينظر إليه متعجباً- وهو لا يعرفه- فلما ولدت المرأة نادت أم كلثوم عمر يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام فلما سمع الرجل أخذ يتراجع وقد اخذته الهيبة والدهشة فسكن عمر من روعه وحمل الطعام الى زوجته لتطعم امرأة الرجل، ثم قام ووضع شيئاً من الطعام بين يدي الرجل وهو يقول له كُل ويحك فإنك قد سهرت الليل!!!