تركت الخرطوم ظهيرة الاربعاء والاحتجاجات تأخذ منحى عنيفاً.. ساءني احتراق قسم شرطة المرور بمنطقة الحلفايا، وحريق بعض العربات، وشاهدت الصبية يحملون بعض أشيائه.. وبعضهم ارتدى زي المرور.. عزيت ذلك الى روح القطيع وتمنيت أن يكون للمظاهرات الاحتجاجية غطاء راشد حتى تصل وجهة النظر للمسؤولين.. ماعزيت العنف من قبل الشباب للمندسين أو تقمصت روح المؤامرة .. لكن قررت إنه تمرد الشباب لإفراغ شحنات الغضب التي تحولت الى روح تدميرية، شاهدت بقية المظاهرات في القنوات الفضائية العربية وسكاي نيوز.. عرفت إن تغطية اسكاي نيوز فيها حيادية حين رأيتهم دائماً يعرضون وجهتي النظر.. النموذج الحلقة التي استضافوا فيها كمال عمر ومريم الصادق ممثلان للمعارضة.. وقطبي المهدي ممثلاً للمؤتمر الوطني.. ولعل قطبي كسب الجولة بهدوئه وعدم استجابته للاستفزاز وتقريره بأنه جاء لتوضيح مسببات الزيادات، مما جعل مريم الصادق تصفه بأنه من العناصر المتفهمة والناقدة في بعض الأحيان لممارسات حزبه.. فوجئت بإيقاف القناة ومنع مكتبها من مزاولة عمله.. مما حدا بالقناة بالاستعانة بمعارضين في الخارج مبارك الفاضل.. عثمان الميرغني وآخر يبدو إنه خرج من السودان عقب ثورة اكتوبر ومازال يحمل ذكرياتها.. بيد أنها رغم الإيقاف استصحبت أيضاً رأي بعض قادة المؤتمر الوطني، ومرة استضافت وزير الخارجية وقدمت له شكوى من قرار إيقافها واعتذر بعدم متابعته للأمر في السودان. حسناً عُدت الى الوطن قلقاً من المآلات المأساوية ولو اتسع صدر الحكومة والمعارضة أقول: إننا لم ننشر بعد ثقافة التظاهر السلمي.. وقد شاهدت مظاهرة أم درمانية كان الهتاف تتخلله عبارات (سلمية.. سلمية).. ورغم ذلك عرفت إنه تم تفريقها بالغاز المدمع وبالقوة، رغم إن كل الدلائل تشير إلى أنها لم تجنح للعنف.. إلا العنف اللفظي في الهتافات المرددة .. المظاهرات الاحتجاجية لها الحرية في كل الدول غير القابضة.. آخرها في اليونان الشرطة تقف بعيداً تحمي الممتلكات والمتظاهرون يرددون هتافاتهم، وقد يسلمون مذكرة تتضمن مطالبهم ثم ينصرفون، قد تحدث بعض المشاحنات بين الشرطة وبعض المتفلتين ولكنها تعامل في هذا الإطار.. نحن لا نسمح بالتظاهر حتى لو كان سلمياً.. ولا يستقيم إن يطلب المحتجون إذناً بالقيام باحتجاجهم.. لكن عليهم أن يحددوا مسار التظاهرة وهدفها، وتكون الشرطة حامية لهم من أي عناصر تريد أن تنحرف بالتعبير.. كل المسؤولين قالوا إنهم كانوا يتوقعون الاحتجاجات لكنهم أرادوها سلمية وهم يتصدون لها حتى لو لم تمارس عنفاً.. اعتقد إننا نفتقر الى ثقافة (السلمية) لا تسمح بها السلطات ويضطر المحتجون الى كسر الطوق، فتنفلت الأمور في الاثنين معاً.. إننا في حاجة الى إشاعة حرية التعبير السلمي باطلاق سراحه والمراهنة على وعي الشعب السوداني.. من حسنات الاحتجاجات إنها قامت بفرز حقيقي للقوى السياسية فقط كيف يمتنع الانتهازيون عن مسك العصا من منتصفها.. وتوسعة صدور الحاكمين ضرورية.