أحدث التشكيل الوزاري في صفوف قيادات المؤتمر الوطني ربكة في الوسط السياسي بكل تشكيلاته بخروج الأقوياء من منصة اتخاذ القرار في الحكومة والحزب، باعتبار درجة تأثيرهم في المشهد السوداني، وأبرزهم الأستاذ علي عثمان صاحب الكاريزما التنظيمية التي اكتسبها من خلال عطائه التنفيذي والسياسي داخل مسيرته في الحركة الإسلامية في كل مراحل تخلقاتها السياسية من داخل جامعة الخرطوم، مروراً بتفضيل الشيخ الترابي له وإزاحة شيوخ الحركة الإسلامية من أجل إعداد الرجل ليكون الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية، وكان ما أراد له شيخه، وتقلب في التكاليف ما بين تنظيمي وتشريعي وتنفيذي، فكان الأول حتى لحظة المفاصلة الشهيرة، فكان عراب الإنقاذ البديل بعد إزاحة الترابي، وبانحيازه الى صف الرئيس في ذلك الوقت، صب عليه إخوته- ممن انحازوا الى الشيخ الكبير- حمماً من الكلام المسموم، وحملوه فوق ما يحتمل الرجل، وتقبل قولهم بصبرٍ جميل، وحينما لاح السلام وجاءت نيفاشا التي قادت الى انفصال الجنوب، تحمل الرجل تبعات نيفاشا بخيرها وشرها ووضعوا نتائجها في ملف محاسبة مسيرة الأستاذ علي عثمان في شخصه، وفي كل حدث وتغيير عنيف تكون سيرة الرجل حاضرة في دهاليز التحليل السياسي، وقصة مسلية للعوام في محاولة تجريب التحليل والوصول لنهايات يعتقدون أنها الصواب.. أما الرجل الثاني في دفتر الأقوياء الدكتور نافع الذي تم تشكيل رأي عام حوله من قيادات المعارضة السودانية منذ فترة توليه مسؤولية تأمين الإنقاذ في بواكيرها، وحينما وصل الى مرحلة السياسي وتميز بتصريحاته الحادة في وجه خصومه والتي جعلت الرجل في التشكيل الجديد (اندهاش) لأنصار حزبه والمعارضين سواء هناك ثلاث قراءات لخروج الأقوياء من التشكيل الوزاري الأخير مطروحة في المشهد السياسي الآن، أربكت المحلل من الوصول لتوصيف هذه الحالة وهي: القراءة الأولي: إن ما حدث هو عملية تغيير تهدف الى تجديد دماء القيادات وإفساح المجال للشباب الذين تدربوا في المؤسسات التنظيمية والتنفيذية، وهو تغيير أفرزته عوامل محيطة بالداخل والخارج.. حيث الداخل أصابه الملل السياسي، وجفاف الدماء في عروق الجسد السياسي السوداني برمته، فكانت الأزمات (دارفور/جنوب كردفان/ الضغط الاقتصادي وغيره من محن وإحن أصابت الدولة السودانية).. أما الخارج الذي يشهد كل يوم تحولات ما بين ربيع المنطقة العربية وصيفها وكذلك (رسائل الغرام) في جنيف ما بين إيران والولايات المتحدة ومجتمعها الدولي. القراءة الثانية: إن ما جرى انقلاب أبيض وتفضيل العسكر على السياسيين، هذه الفرضية ضعيفة من خلال أن الفريق أول بكري وعبد الرحيم كرمزية في مراكز النفوذ مع الرئيس منذ 1989م ولم يغادرا دهاليز القصر حتى بعد أن حل الرئيس مجلس قيادة ثورته، وأبقى على الجنرالين بجواره، عكس أعضاء الثورة الذين تواروا من المشهد السياسي، وما جعل هذه القراءة موجودة في السطح السياسي يرجع الى عجز تصورات المراقب أو المحلل، أن المغادرين خالدون في مناصبهم، ويحاول كثيرون بتشبيه مايجري في ديسمبر هذا بما حدث في ديسمبر 1999م رغم الفارق الكبير بينهما، أن الترابي تمت إحالته من الأمانة العامة للحزب قاد عملية تكوين المؤتمر الشعبي وتبعه بعض التنفيذيين في الحكومة آنذاك، بينما قدم شيخ علي استقالته مفسحاً المجال لآخرين وأربك معامل التفكير والتحليل السياسي في توصيف خطوته، ولم تبدر بادرة عدم رضاء أو تزمر كما حدث في ديسمبر 99، ولا في أكتوبر غازي . القراءة الثالثة: الضغط الدولي والإقليمي على الإنقاذ والذي يملئ عليها التماهي مع مرحلة التحالفات الإقليمية خاصة في المنطقة بعد التحول في تلك الأنظمة، لذلك جاء التشكيل بعناصر جديدة لتستوعب شكل المتغيرات والتحالفات مع دول الإقليم والمجتمع الدولي. قراءة الحوافر: القراءات الثلاث هي ما يتحرك فيها الإعلام والمحللون للوصول الى حقيقة ما وراء التشكيل، ولكن لصدمة المفاجأة اسقط الناس فرضية أن ما حدث كان عملية تغيير عادية أدخلت المسرح السياسي وقادة الأحزاب السودانية في مأزق التخلي عن الكبار والأقوياء، وأن لا تتأثر مسيرة الكيان أو الدولة، ولن تستطيع أحزابنا أن تفعل، وكذلك أعطت خطوة التشكيل الوزاري الجديد أن الإنقاذ تفننت في عملية (التغيير الداوي) في بدايتها العسكرية أحالت مجلسها العسكري الذي قاد الإنقلاب ثم التغيير الثاني، حينما رفضت إشارات عرابها العتيق ثم التشكيل الأخير بخروج الأقوياء مازال العرض مستمراً.وهناك هزيمة ألحقتها الإنقاذ بالمعارضة السودانية حينما عولت الأخيرة في تحليلاتها للإسقاط في الاعتماد على صراعات وخلافات داخل المؤتمر الوطني، وتحديداً بين تياري علي عثمان ونافع، وبخروجهما فقدت المعارضة بياناتها في قراءة مؤشرات واتجاهات الإنقاذ ومراكز القوة لإدارة حملتها الإعلامية ضد الإنقاذ في أمنية الإسقاط والانتفاضة. والهدف الثاني في مرمى المعارضة التي أحرزها المؤتمر الوطني هو أننا سوف نواجهكم بعناصر صفنا الثالث، وإن أردتم هزيمة فافعلوا ما فعلناه لأن الإنقاذ قادت عمليات التغيير في النسخة الأولى العسكرية، ثم النسخة الثانية الانفراد الحزبي، النسخة الثالثة الشراكة مع الآخرين، والنسخة الأخيرة الخيارات المفتوحة!..