كتب الخلود لرائعة د.عبد الواحد عبد الله يوسف نشيد الاستقلال ،التي صارت أيقونة تخطر في البال كلما جاءت ذكري يوم الاستقلال .لكن ربما لا يعلم الكثيرون شيئا عن شاعر هذه القصيدة.ولعل السطور التالية تقدم بعض الاضاءات حول عالم نحرير وشاعر خطير ،حُق للأجيال ان تعرف سيرته وتلم بجوانب من حياته. المولد والنشأة : ولد د.عبد الواحد عبد الله يوسف منتصف عام 1939م في مدينة القضارف ،التي انتقل إليها أهله من منطقة الزيداب حيث ينحدرون من قبيلة الجعليين المشايخة الشرفديناب ،نسبة للشيخ شرف الدين . وكانت هجرتهم حسب قول الشاعر في ديوانه (قصائد حب للناس والوطن)في حوالي العام 1823م ،بعد معركة ألمك نمر ضد جيش إسماعيل باشا ،وما أعقبها من حملات انتقام قادها الدفتردار .وقد سار المشايخة ،الذين عرفوا بهذا الاسم نسبة لكونهم مشايخ علم وأصحاب خلاوى لتحفيظ القرآن ،ساروا مع المك نمر في هجرته للحبشة .وعندما توقف الركب في القضارف طاب لهم فيها المقام فاستوطنوها وانتشروا في أحياء المدينة وقراها. ولد شاعرنا الكبير في حي الجباراب لأسرة متوسطة الحال .كان والده -له الرحمة- يعمل في الزراعة والتجارة .درس القرآن في خلوة جده الحاج عبد الوهاب إبراهيم ،والتحق بعدها بالمعهد العلمي المتوسط في القضارف ،تحت رعاية الشيخ حاج على الأزرق وأخيه محمد الأزرق،وهما من دوحة الازارقة التي تتصل بأرومة المجاذيب ونار (تقابتهم) ذات الضياء بصله.ثم انتقل بعدها عبد الواحد الي مدرسة القضارف الأهلية الوسطي ،والثانوي بمدرسة حنتوب .وكان التحاقه بجامعة الخرطوم في العام 1959م فتحا جديدا في حياته حيث تخرج فيها عام 1964م،ليعمل معيدا بمعهد الدراسات الإضافية .تقلب شاعرنا في المناصب داخل وخارج السودان حتى استقر به المقام، لسنوات خلت ،في دوله البحرين مستشارا لوزير التربية والتعليم . السر الخطير لعل كثيرا من الناس كان يظن أن قصيدة الاستقلال ،قد كتبت بالتزامن مع الحدث الكبير.لكن المدهش أنها جاءت بعد سنوات ثلاث من اليوم المشهود،إذ كتبها الشاعر ولمَا يزل في عامه الأول بالجامعة . ويشير د.عبد الواحد في حديثه للمحرر قبل سنوات،إلي أن القصيدة قدمها أول مرة كورال الجامعة في مناسبة الاستقلال،وتصادف أن كان الفنان محمد وردي حضورا في ذلك الاحتفال.وبعد نهاية المناسبة – والحديث لدكتور عبد الواحد- طلب وردي الشاعر واستأذنه في تلحين النشيد وأدائه ،ومن حينها صار نشيد الاستقلال ،الذي كتب عام 1959م درة خالدة وإيقونة فريدة ترمز لعظمة الاستقلال وتروي للأجيال مسيرة امة ماجدة: كرري تحدث عن رجال كالأسود الضارية خاضوا اللهيب وشتتوا كتل الغزاة الباغية والنهر يطفح بالضحايا بالدماء القانية ما لان فرسان لنا بل فر جمع الطاغية ولا نزال نردد كلماته تلك ،التي زادها اللحن الجميل والأداء القوي للفنان الهرم محمد وردي ألقا وجمالا: إني أنا السودان ارض السؤدد هذي يدي ملأى بألوان الورود قطفتها من معبدي من قلب إفريقيا التي داست حصون المعتدي خطت بعزم شعوبها أفاق فجر أوحد.... وهكذا فان شاعرنا د.عبد الواحد عبد الله يوسف يبقي علامة شعرية فارقة ،بخلود قصيدته تلك،التي هي درة ضمن عقد نضيد من القصائد الحسان ،التي احتواها ديوانه (قصائد حب للناس والوطن ).فله التحية والذكري الخالدة تهل على بلادنا بعد أكثر من نصف قرن على نشيد الاستقلال.