إنصرفت دون مقدمات الى قراءة كتاب عنوانه السودان الوطن المضيع .. لحيدر ابراهيم علي .. منذ المقدمة احسست بتفاهة الانتماء .. فالتعابير تصفعك بحكم تتأسف كونه لا يخلو من حقيقة. الصفعة الاولى في السطور الاولى يعتبر السودان بلد الفرص الضائعة بامتياز .. وضياع الفرص دليل على الغفله وسوء التقدير وقصر النظر والسطحيه .. وهذه بالفعل صفات امتاز بها السودانيون والنخبة السودانيه.. قول يا لطيف. تقرأ بعد اسطر .. سطر حزب الأمة وعبدالله خليل أغرب سلوك سياسي في تاريخ السياسة طراً .. ان يسلم رئيس منتخب من الشعب الحكم الى العسكريين أي يصنع لهم الانقلاب ويهديه اياهم بطيب قلب ودون تأنيب.. قول يا ساتر ثم تقرأ تقريراً فاجعاً أخيراً تحولت ثورة اكتوبر الى مجرد اناشيد تردد في ذكرى الثورة الشعبية.. تمضي تقلب الصفحات فتقرأ يمكن أن يعد السودان من بين اكثر مجتمعات العالم قدرة على التشرذم والانشطار والانقسام بسبب الجغرافيا والتاريخ ونمط تطور المجتمع ولقد افتقد السودان طوال تاريخه الدولة الموحدة وبالتأكيد المجتمع الموحد والثقافه الموحده. وحتى عن الدولة المهدية يقول عن نهايتها : ولقد تعرضت البلاد للكثير من المشكلات والتفكك مما سهل مهمة الاستعمار حين غزا السودان بسهولة فائقه ووقفت قطاعات كبيره تتفرج على سقوط الدولة التي يفترض أن تكون وطنية وتمثله تقرير فاجع آخر : فقد تمزقت العلاقات الاجتماعيه التقليديه واختفى ماهو مشترك بين السودانيين،وفي تقرير آخر يقول : باختصار يمكن القول أن السودانيين أوصلوا بأنفسهم بلادهم الى حتمية الانفصال والتقسيم بأفكار وممارسات كان لابد أن تكون هذه هي نتائجها وأي حديث عن مخطط خارجي أو مؤامرة هو عبث ولعب بالعقول والمنطق وهنا نستدعى قول مالك بن نبي : القابلية للاستعمار لنقول القابلية للانقسام والتفكك. تقرير آخر فاجع كتبه المؤلف قبل انفصال الجنوب لكن اليأس فيه قد بلغ مداه .. يقول حيدر : ولأن الوقت قد ضاق تماماً والاستقطاب يتسع والحكماء السودانيون غائبون والمعجزات قد تتأخر فالخيار الوحيد أن نجرب الانفصال الأول في الجنوب وننتظر الانفصالات الأخرى في دارفور ثم الشرق ومايطرأ من جديد لا حول ولا قوة الا بالله. وعن الديموقراطيه يصفعنا الكاتب : وهكذا دارت الحلقه الشيطانيه مرة أخرى مؤكدة ضعف ايمان القوى السياسية بالديموقراطية وإن لم يكن كذلك فهو وعي ضعيف بشروط استمرارية الديموقراطية. هذه مقتطفات من الصفحات الأولى للكتاب .. صحيح استقطاع فقرات من السياق قد يبعدك عن الدقه لكن الفقرات تنبئ ببوار في كل شئ .. وأنا بصفتي من جيل أكتوبر أحسست بالخجل من تاريخنا البوار كله.. معاملة هذه اللافتات بلا مبالاه أو اعتبارها موقف لمثقف مأزوم طرح اللا أمل .. وحكم على التاريخ والجغرافيا بالبوار .. وحتى المستقبل مجهول وربما ضائع أو مضيع .. أحسست بأنني أنتمي الى دوله لم تحقق مشروعاً واحداً ناجحاً منذ المهدية .. قد أنصرف الى الماضي السحيق واستلهم مجد أجدادي الاوائل بعانخي وترهاقا .. لكن الأجيال الجديدة حين تقرأ هذه التقارير الفاجعة .. تحس إنها تنتمي الى وطن ضائع وفاشل وتاريخه مريض .. وحكماءه لم يخلقوا بعد .. فهل تفرق معهم إن بدلوا جنسياتهم أو سعوا الى أن يكونوا امريكان .. وانجليز .. فهل سيجدون تاريخاً جديداً .. وجغرافيا حديثه ينتمون اليها .. ولا تستهويني عبارات جلد الذات والبكاء على اللبن المسكوب .. لكني أحمد الله انني لم أكن مشاركاً بصورة أو بأخرى في هذا الفشل المريع .. فأنا أيضاً ضيعت فرص الهجرة والحصول على جنسية جديدة فليس أمامي سوى أن أعيش أيامي في سودان أحبه وانتمي اليه رغم انف الكاتب.