لم اقرأ للمرحوم محمد حسين بهنس ولم اشاهد له عملاً تشكيلياً قبل وفاته المؤثرة متجمداً شتاء هذا العام في اقصى شمال الوادي وعندما نعاه الناعون ومنهم الكاتبة العربية الرقم احلام مستغانمي والتي هي الاخرى لم تقرأ له لكنها كتبت متأثرة للطريقة التي مات بها عندما نعاه الناعون حرصت على اقتناء اعماله ما استطعت. واخيراً حصلت على روايته «راحيل». راحيل هي رواية في «74» صفحة حجم A5، الغلاف الامامي «كولاج» وهو فن يقوم على تقنية القص واللصق لعدد من المواد لتكون شكلاً واحداً ذا موضوع مركب او عدة موضوعات ذات رابط يصلها ببعضها والغلاف هو من عمل الكاتب نفسه وبالتالي اتيحت لي فرصة الاطلاع على النموذج الكتابي والنموذج التشكيلي لمحمد حسين بهنس في آن واحد. والرواية تجمع بين الكتياب في شمال السودان والدمازين في جنوب السودان في الخرطوم كما تجمع بين سالم الذي يمتهن التصوير وهو قاريء ومثقف وبين علي العربجي الانسان البسيط لكنه يتحدث حكمة وبين تعبان الذي يتحدث بلغة قاع المدينة كما سنرى. على كل فالرواية تنبيء عن كاتبٍ كان لو عاش اطول سيكون له شأن عالمي ليس من ناحية السبك والحبك الذي يتميز به اسلوبه ولكن بهنس عرف اللغة التي تروق للقائمين على الادب العالمي. ولضيق المساحة نكتفي بهذه الصورة في هذا المقطع من الرواية لتخدم لنا هدفين الاول هو هذه اللغة التي اشرنا اليها والثاني نموذج للغة تعبان. يقول المقطع: «كان في ذات عصر، واصوات القمري تتدافع مثل زحام مواطنين امام شباك فرن في وقت ازمة. كانت اخر زفرات الشتاء المحتضر. كانت رحول تطرز ثمة فتوقاً في ثوبها الذي ترتديه وكنت انا احفر لغرس شتلة فايكس جديدة، كان القريب والعربجي غائبين في بعض شؤونهما وقد كنا عادة ما يخلو الجو حتى تبدو احاديثنا اكثر لطفاً وتحرراً، وكنا اقرب الى التماس الاعذار حتى نقترب من بعضنا البعض وندخل في ذلك الجو الحميم بتدرج اسر. غسلت انا يدي من الطين وجالستها حتى اذا رتقت فتلة من الخيط فتقت ثلاث فتقات حتى افسدت جهدها كله، وانا اضحك فاغتاظت واخذت توخذني بالابرة في ظاهر كفي وانا اتقلب في المزاح ثم حملتها فجأة وهي تتوعد الى الحوش ووضعتها في العنقريب واصبحت اداعبها وانزلقنا في هوى لا قاع له. هوى يمتد الى الذرى. فاذا بصوت تعبان من فوقي يصيح بهلع: دين اماااااااااااا..!!» نواصل..