في طريقنا لأداء صلاة الجمعة في مسجد الحي لاحظ مرافقي«بكري» كثرة من يحملون الكراسي للصلاة عليها!! في السابق كانت الحكاية محصورة في نفر «نفرين» من كبار السن!! الآن أضحت الصفوف الأمامية والخلفية في مساجدنا تعج ب«ظاهرة» الصلاة على الكراسي!! القصة ليست حكراً على الشيوخ.. بل كل الأعمار!! ماذا جرى للناس في هذا البلد؟! هل هي شيخوخة مبكرة؟ أم هي «القضاريف» وآلام الظهر والمفاصل والركب!! سمعنا بفلان دماغه «ناشفة»!! أما الآن فإننا نسمع أكثر من فلان «ركبتو ناشفة» وخالية من «السوائل»!! الملاحظة الأولية التي يقولها أصحابنا المغتربون: يا جماعة الحكاية شنو؟ لقينا الناس كلهم مرضانين مافي زول ما بشتكي!! نقول لهم: نشكي ونبكي وبس!! والشافي هو الله.. ظهرت أمراض لا أول لها ولا آخر!! يوم الجمعة في الماضي كان يوماً للراحة و«المقيل» و«جبدة النفس» بعد عناء أسبوع كامل من الكد والجد!! أما اليوم فإنه أضحى- لمن هو في عافية شوية - يوماً لمعاودة «المرضى» والطواف على «البكيات»!! صدقوني ثلاثة أرباع الشعب السوداني الآن في حالة «سيولة مرضية».. حتى الصغار أضحوا يشكون من أمراض الكبار!!.. طفلة في سنواتها الثلاثة تبكي من الصداع الحاد!! وطفل لم يتجاوز ال5 من عمره يشتكي من ألم حاد في رجليه!! لاحظوا الازدحام الرهيب في المشافي الحكومي منها والخاص!! لاحظوا ارتفاع القوة الشرائية لأسواق المعالجين سواء العلاج «بالرقية» أو «بالبلدي» أو «بالدجل» أو «الشعودة» القادمة من خارج الحدود «العربي» منها و«الأفريقي»!! نحن شعب أضحى مسكوناً ومهموماً بالمرض وبالبحث عن الدواء وعن الشفاء!!.. من أوصلنا لهذه الحالة المرضية؟ وماذا أكلنا؟ وماذا شربنا حتى يحدث لنا كل هذا الذي يحدث؟! تقول الأسطورة السودانية القديمة: إن ثلاث فتيات قد خرجن من قريتهن لغابة مجاورة من أجل النزهة.. و لكنهن ضللن الطريق في رحلة العودة وعندما جاء الظلام قادهن الحظ العاثر لبيت ساحرة اشتهرت بالإيقاع بالشر!! ربما تكون هي التي عناها «حميد» في احدى قصائده «بت ام بعلو». رحبت المرأة الشريرة بالفتيات وقدمت لهن طعام العشاء فكان عبارة عن «عصيدة بلبن».. وفي واقع الأمر أن دقيق العصيدة هو خليط من عظام بشرية.. والذي يأكلها يصاب بالكساح ولايستطيع النهوض من مكانه وبهذه الطريقة كانت توقع بضحاياها!! الفتاة الصغيرة أكلت كما لم تأكل من قبل!! ورفضت الاستماع لنصيحة صويحباتها اللائي فطن للحيلة وانتبهن لحقيقة الطعام المسموم!! وتكسرت كل الحيل في إثناء الصغيرة عن اكل «السم في الدسم» وعندما يهمسن لها قائلات «ما تأكلي يا السجمانة» كانت تبكي وتقول: «حبوبة قالن لي ما تأكلي» فيسكتن خوفاً من شرور «الحبوبة» ومكرها!! في الصباح الباكر وقبل طلوع الشمس قامت الفتاتان بإيقاظ الصغيرة وإفهامها بالهروب قبل استيقاظ «بت ام بعلو»!! الصغيرة أصابها الشلل وفقدت القدرة على الحركة وجلست تبكي وتنتحب وتندب حظها العاثر ومصيرها المحتوم وهي ترى صويحباتها وهن في طريقهن للهروب في اتجاه القرية!!