رمضان في الحِلة رمضاناً حار، ما بيقدر عليهو زولاً (مَرخْرَخْ ).. ليس لدينا هناك خريف أو ربيع، ولا نعرف إلا هذه القلاية في الصيف والزمهرير في الشتاء.. من شدة الحر لا أذكر، أن شهر رمضان جاءنا في الشتاء..كلما ساحت الرمال تحت الهجير، يِنْكرب الناس ويتعلقون أكثر بالشهر الفضيل، أو هكذا يقولون.. من السخانة والسموم ، تصدق يا مؤمن، من شَرّقة الشمس تقوم ريقك ناشف..! من الشَّرْقة تاني نوم مافي..لا خصوصيات في هذا المكان، ولا حياة لك إلا داخل الطائفة..أي واحد من ناس الحِلة قريبك، و ممكن يصحيك ويحتج عليك كمان «النايم ليها شنو»؟ صِحيت ما صِحيت، راسك عديل تنزل، محل سِقايتك ورعايتك ، تشوف بهايمك وبقيراتك وتِميراتك، وتجيب معاك ما تيسر من خدار مزروع ، بامية أوخدرة أو كداد أو رِجلة، أو جرجير،،أو ما شابه.. وتسأل عن الحِراته، وعن موية المشروع ، يدوك ليها متين، وتعود قبل منتصف النهار، تشوف ليك محلاً بارد، تنجبد في برندة أو تحت ضل شجرة.. نُمت ما نُمت ، تسمع آذان صلاة الظهر..لا يمكنك التغيُّب عن أي مناسبة تقع في الحِلة أو في الحلال المجاورة: عرس أو مأتم ، طهورأو مولود جديد ،أوزول جاء من سفر، أو«مرا كُراعا مفكوكة»، أو واحد قلع ضُرُسْ..! أول ما تسمع حاجة زي دي ، أحسن تتوكل وتمشي، المشوار بدل ما يكون فى كرعينك ، يكون في «وَشِيك»..لا تتوقع أن تغفل عيونهم الراصدة عن غيابك..! أحسن تقوم بي عطشك، تمشي تظهر قدام الناس: تبارِكْ، تَكفِّر، أو تشيل الفاتحة، أو تتحمد السلامة... بعد داك كل شيء ممكن، أكان لقيت فرصة قراية في كتاب أو جريدة، أو سمعت نشرة أخبار.. وعصراً بدري، تبقى مارق، تاني لازم تنزل، تسقي البهايم.. ترمي ليهن البرسيم والورتاب، وتعدل المايل.. وتقع البحر،، تِستحم زين و تَبرِّدْ جوفك في موية النيل.. وتشيل ماعون اللبن تحلب البهايم، وقبل المغيرِّب ترجع البيت.. تدخل في عراقي وسروال،، تتوضأ وتشيل الصينية تمشي محل شراب الموية.. فى اليوم الأول عادة ما يكون شراب الموية في بيت عزاء.. هناك تسمع: أسكتوا يا بُطان، خلونا نسمع الآذان.. تبدأ بالتمر وموية البليلة، وتسمع النشرة المحلية وهي حكاوي سنوية لا يحيد عنها أحد..أول خبر عن رمضان: قالوا السنة دي رمضان ناااار حمراء..! وينو رمضان يا حليلو، باقيلو 28 يوم بس..! الجوع والعطش ما هِمِّية، بس المشكلة في التمباك..! الخ .. ثم تتداخل أخبار الزراعة مع الغلاء الفاحش، مع فتح المدارس.. في الظلام تَلَمْلِّم العِدة.. قعدت ما قعدت ، تمرق تاني لصلاة التراويح، وتغشى الدكان تجيب الناقص، وتجي تكابس باقي البليلة والحلو مر،، وتشرب ليك كباية شاي، وبعد داك تشوف أخبار ناس الحكومة ، أو تريِّح بالك، وتشوف المسلسل، وتتأكد إنو فاتتك ضحكة من ضحكات قدور.. تتعشى وتمرق تشوف محل الكوتشينة وين، واحتمال كبير تجي راجع مع السحور.. صليت ما صليت ، نمت ما نمت، ستصحو مع الشَّرْقة.. أكان ما صِحيت بكواريك زول فوق الدرب، يصحيك أي زول (بشماتة) «لسه راقد بي صفِحتك في بطن البيت»؟! هذا هو رمضان في الحِلة..إختفت «كواري الطلس» القديمة التي كُتب عليها (رمضان كريم) و يكاد أن يُستبدل الزير بحافظة ماء مثلج.. بروش السعف حلت محلها مفارش البلاستيك.. أشياء كثيرة تغيرت، إلا البليلة.. إلا هذا النظام الذي أصبح الآن، أقدم من البليلة..! رمضان كريم..