ألحان الموسيقار العظيم حسن بابكر، ستبقى فى ذاكرة الأجيال، وهو الذي رحل عن عالمنا خِلسة قبل أيام، كأنّه أقام في دنيا العابرين لسويعات ، بعد أنّ وقّع ،على مدى نصف قرن ،أجمل الألحان لمكتبة الاذاعة السودانية.. قدّم الراحل حسن بابكر ألحاناً فريدة، وجُملاً موسيقية سودانية الأصل والفصل، تميّزَ بأدائها الفنّان محمد ميرغني ، وهو الذي لفت إليه أنظار محمد وردي، الذي كان مُغرماً بلحنه البديع لأُغنية "يا حِليلك يا بلدنا"، التى يؤديها أحمد فرح..وعلى مدى الأيام، ما سمِعنا لحناً أخّاذاً مثل ذاك اللحن، ولا عزفاً لتلك الأُغنية، كأبدع ما يكون العزف على الطمبور، بأنامل وردي، فكان ذلك العمل الفني المتكامل كنزاً لا مثيل له بين كنوز مكتبة الإذاعة السودانية.. تلك الكلمات البسيطة الرويانة بالصِدق التى تنسب عن جدارة للشاعر إسماعيل حسن ود حدّ الزّين ، وذاك اللحن الملائكي للموسيقار حسن بابكر، بتقاسيم ايقاع الدّليب ، مع نقرشة وردي البديعة على آلة الطمبور،، كل ذلك جعل من تلك الأغنية المحلية، فى مقدّمة الاعمال الخالدات، التى تميّزنا بين شعوب الأرض، و كلمّا سنحت الفرصة أدلف على مكتبة الاذاعة السودانية على الشّبكة ، بقصد الاستماع لأداء أحمد فرح وعزف طمبور وردي، الذي يدغدغ الروح.. لعلّ براعة التطريب ، وهي أحد سِمات هذا الموسيقار العظيم، كادت أن تُخفي إسمه فى سماواتها.. فإلى وقت قريب ما كنت أعلم أن هذا اللّحن قد جاد به ذوق أحد الموظّفين الأُمدرمانيين يستولف ماضياً مركوزاً فى الوجدان، وهو يغني من مناخات زمان عثمان حسين وحسن عطية وأحمد المُطصفى،، كما أنّ "لسعة" الريشة المُذهلة على أسلاك الطّمبور الخمس، بيدي محمحد وردي، تكاد تخرج بالسّامعين من أسر الزمان المكان،، ومع ذلك يا للعجب لم يدّعي أنّه ملك الطّمبور، وأنّ كان أهل النّوبة يشترطون فى لياليهم، الغِناء ب " وزنة طمبور وردي".. هذا المُلحِّن العظيم، حسن بابكر، فتح شهيتي للاستماع لفنون أهل السودان، وجرجرني بعد انقطاع طويل، الى فضاءات "اليوتيوب" بحثاً عن ألق الزّمان القديم، أو ما يسمي عند البعض بأغنيات الزّمن الجميل.. وقد كان آخر ما عثرت عليه فى أركان ذلك الفضاء الواسع، تسجيلاً بصوت الفنان حسن عطية، يطلب فيه أغنية " الريلة" من صديقه.. و التجوال على الشّبكة شيئ مُربك ، لكنّه جعل ولائي يزداد للاذاعة السودانية ولمكتبتها الاسفيرية التى لابدّ من الدخول عليها كل يوم، وفى هذا المقام نرسل تحية تقدير وعرفان لجنود التوثيق فى ردهات الاذاعة والتلفزيون، على مدار السنوات، فقد قاموا بعمل جليل يتمثل فى حفظ تلك الاعمال الخالدات، التى شكّلت وجداننا، و هي أصدق تعبير عن هويتنا القومية الجامعة.. تحية لروح هذا الفنّان العظيم، حسن بابكر، الذي يعتبر أحد الرِّجال الذيت يعودون بنا الى منصّة التأسيس، الى الجذور التى انطلقت منها الشخصية السودانوية.. فهذه ألحانه، تُعتبر مدرسة قائمة بذاتها نتعلّم فيها مِران الاستماع، ونكتشف فى فنّه الراقي أهمية الموسيقى ورسالتها العظيمة.. فى هذه المدرسة تكتشف أن لكل مُبدع مذاقه الخاص فلا يوجد تنافس فى عالم الفن ، و ليس هناك أول أخير، فلكل مبدع مذاقه الخاص.."غرفاً من البحرِ، أو رشفاً من الدِّيّم"!.. رحم الله الرّاحل المُقيم حسن بابكر..تحية الى روحه الشفيف الذي تحرر من المحليّة محلِّقاً فى آفاق القومية ، وغنى لشعب السودان، كما يجب أن يكون الغِناء..