إن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي، لكن أظن أن المقصود أن تأتي متأخراً لهذه الدرجة التي أعلن بها والي الخرطوم الحرب على السكن العشوائي، واتهم بعض اللجان الشعبية بالترويج له، ولم يكتفِ بالإعلان بل وجه جهاز حماية الأراضي وإزالة المخالفات بتحريك قواتهم فوراً لحسم (الظاهرة) - رغم أنها تجاوزت مرحلة الظاهرة - وصف الأمر بالخطير وقال «أي زول اشتري قطعة ما عندها شهادة بحث الله قال بي قولو» وزاد ليس للجان الشعبية الحق في بيع أراضي الحيازة وقال: نحن ضد السكن العشوائي مائة بالمائة.. والحقيقة لم نعرف الدافع الذي دفع والي الخرطوم لإعلان قراراته تلك، وهو يفتتح مركزاً صحياً بالسمرة بشرق النيل، وقد فؤجئنا بالخبر خاصة وأن حبرنا قد جف ونحن نكتب عن الحيازات وعن المشاكل (المتلتلة) التي خلفتها ومن أهمها التأثير الكبير على الاستثمار، خاصه بولاية الخرطوم هذا بالإضافة لبقية الولايات.. وبالمناسبة الحكومة (ذاتا في رقبته) تعاني من مشاكل الحيازات، لأنها في كثير من الأحيان لا تستطيع تنفيذ مشاريعها بسبب الحيازات وتعنت أصحابها، وقد توقفت مشروعات كثيرة نحن نعلمها وهم بالتأكيد يعلمونها.. هذا بالإضافة للأضرار السنوية والموسمية التي تتعرض لها المباني التي شيدت في مناطق الحيازات، ويتعب أهلها ويصرفون دم قلبهم، ثم تصرف الحكومة، ويصرف المجتمع ومنظماته، فهناك مدن بأكملها تنهار لأنها تبنى في مجاري السيول، فهناك بعض المناطق أرغم أهلها الحكومة على التسجيل لهم، فانصاعت لهم وحولتهم لتنظيم القرى لتقنين أوضاعهم، ورغم أن ذلك لم يكن في عهد د. عبدالرحمن الخضر إلا أن تلك الاجراءات فتحت شهية الآخرين للسعي للحيازات وتقنين أوضاعهم، حتى أصبحت تلك (الكريقة البديل) الأمثل للخطة الاسكانية التي كانت نهايتها في عهد د. شرف الدين بانقا، وبعدها اتجهت الحكومة للسكن الشعبي الذي تأثر هو أيضاً بمشكلة الحيازات.. والغريب أن الحكومة في بعض الأحيان تتحول هي نفسها للشاري أو المعوض لأن التعويض في حد ذاته مشكلة، لأنه اعتراف رسمي من الحكومة بالحيازات وملكيتها (يعني الحكومة ذاتا يالخضر الله قال بي قولا) لذا لابد أن تكون التحركات في هذه القضية بحساب لأن اي خطوة لها تبعات تصعب معالجتها.