الرسام السوداني موسى قسم السيد كزام «جحا» هو عنوان لكتاب يعد الأندر بين الكتب السودانية لأكثر من سبب، أولاً لكونه جمع بين الصورة والكلمة وثانياً لأنه وثق لحياة فنان تشكيلي عصامي أنفق عمره ليحقق مشاريعه الإبداعية دونما صدام، كما أنه من أوائل الذين احترفوا فن رسم «البورتريه»، وثالثاً إن الكتاب استغرق إعداده عقداً ونيفاً حسب مؤلفه الفنان التكشيلي علاء الدين الجزولي، ما يؤكد صبر الكاتب وحبه لعمله، وهذا الأمر أصبح نادراً هذه الأيام، فقد بتنا نطالع كل يوم صدور كتاب جديد يصدر عجولاً ودونما عناية، كأنما الغاية هي صدور الكتاب، لذا جاء صادقاً ومحققاً غرضه الذي من أجله صدر ألا وهو التوثيق العلمي الرصين، ونتمنى أن يكون هذا الكتاب دافعاً للحركة التشكيلية والإبداعية في السودان حتى تكتمل مثل هذه المشروعات الجوهرية، التوثيق لرواد الحركة التشكيلية والتي أشار إليها مؤلف الكتاب «أقل ما يمكن أن نفعله وفاءً وتقديراً لحسن صنيعهم هو أن نوثق لهم لجحا والآخرين من بقية العقد الفريد وبما يليق بمكانة كل واحد منهم». في حديث المؤلف، ممهداً لكتابه وصف جحا بأنه من أشهر رسامي السودان قاطبة ويعد أسطورة من أساطير الفن والجمال المديني الأمدرماني وما يزال، ومن أوائل الفنانين الذين احترفوا الفن وأطولهم مدة في ذلك، ونفى علاء الدين الجزولي الصفة التي ظلت ملتصقة بجحا وهي أنه كان فناناً «مشوطن» فصحح هذا الزعم وقال إنه كان «الصبي النساج الذي غدا أشهر رسامي السودان وغدا مصمماً، نحاتاً، مصوراً، ممثلاً، مخترعاً، حاوياً وهاوياً للرحلات والأسفار وعاشقاً مدمناً للسينما، هو ذلك الإنسان الودود كثير العلاقات قليل الرفض للصداقات». الكتاب مقسم إلى أجزاء، منها حوارات أجراها المؤلف مع جحا، وقد كتبت بالعامية حتى ينقل لنا المؤلف أدق تفاصيل الحوار، ولم يكن فيه أي تبسيط مخل، بل كان في غاية الجمال, نقل ما قاله جحا بحرفية وبراعة, رغم أن علاء من الكتاب الذين لهم قدرة فائقة في الوصف بلسان فصيح. وفي الحوار كشف سر الاسم «جحا» كما حكى العلاقة التي ربطت بينه والشيخ قريب الله، وعن محبته للسينما وبداية معرفته للرسم. الحوار اشتمل على 100 صفحة من الكتاب. وفي باب آخر استعرض الكتاب جانباً من الرسومات «أبيض وأسود وملونة» خاصة بجحا ورسوماته لشخصيات تاريخية سياسية ودينية، كما تجد صوراً له ولعائلته وصوراً للبنات السمحات كما يفضل أن يسميها جحا، وفي باب الإضاءة، فتح المؤلف أعيننا على خارطة الإبداع السوداني وفضاءاته المتعددة، أسباب الانقطاع والضمور الذي أصاب الحركة الإبداعية، وأشار أيضاً إلى الطرائق التي كان يرسم بها جحا الفنان الفطري الأمي «الخواجات شبكوني إنجليزية، بستعملها لكين أنا ما متعلم»، هذه الجملة كانت آخر سطور هذا الباب والذي من بعده ولج بنا المؤلف إلى مرحلة التوثيق حيث استعرض من خلالها بطاقة عضويته في مكتبة المجلس البريطاني والمؤرخة في العام 1959 ورسائل مبعوثة لجحا من قبل فنانين مثل فيليب غردون وريتشارد، ما يذكر أن جحا رسم حسب ما قال «ناس كتار شي سودانيين وشي يمانية وشي أمر سعوديين وشي حبش وشي خواجات لكن الأسامي ما بعرفا وما بسأل عنها إلا يكون شيخ». حمل الكتاب صوراً لفترة مهمة من تاريخ السودان إلى أن وصل بنا إلى مرحلة الرثاء وما كتب حول هذا الفنان العبقري المولود بحي السيد مكي، والذي التحق في الخامسة من عمره بالخلوة وتركها بلا رجعة بعد أن قضى فيها ستة أشهر فقط بسبب حادث حركة وقع قريباً من الخلوة وراح ضحيته أحد المواطنين. كتاب الرسام موسى قسم السيد السيد كزام والذي قام بإخراجه الفني عبد الرحمن نورالدين وصممه تاج السر الحسن «كلهم فنانون تشكيليون»، والتدقيق اللغوي للشاعر محجوب كبلو، يعد من أكثر الكتب التي وثقت بدقة وعناية لحياة فنان كبير استحق الذكر والتقدير. وأكد أنهم كفنانين يجب عليهم التفاعل مع القضايا الوطنية، مشيراً إلى أن هناك بعضاً من الناس ينظرون للفنان على أنه صانع للطرب فقط. وقال إن هذا الفهم لا يعنيهم كفنانين لأنهم على علم ودراية بأن الفن رسالة مجتمعية يجب أن تؤدى بوطنية،واعتبر أن الحركة الثقافية تحتاج لإعادة ترتيب ببناء مؤسسات ثقافية مانحة ومنتجة. وتوقع رئيس المهن الموسيقية أن تفضي الانتخابات الحالية إلى إيفاء المرشحين بالتزاماتهم تجاه الناخبين.