* لماذا يا بروف تناسيت «بركة بنت سيوم الصباح» الحبشيةالتي غسلت مولود آمنة بنت وهب وحملته تهرول به نحو جده عبدالمطلب وهي تصيح أبتاه أبتاه لقد ولدت آمنة ولداً لا ككل الولدان، وجهه كالقمر المنير فسمه «محمدا» ولم تعتد الأعراب تسمية محمد، لأنها كانت نصرانية ومذهبها يروي هناك نبي بعد عيسى اسمه محمد. * رداً لما فجره الأستاذ الجليل العالم العلامة والباحث الإجتماعي والتاريخي الأخ المفضال البروفسور أحمد إبراهيم دياب بالصديقة «آخر لحظة» العدد 3054 بتاريخ 91/3/5102م حول المفاجآت الداوية التي تناول فيها الحديث عن هدم قلاع المفاهيم المتجذرة الراسخة لدى عقول البعض من أهل السودان الذين يصرون على ربط نسبهم بعترة الرسول صلى الله عليه وسلم أو عمه العباس أو العرب الخلص، فهؤلاء واهمون يخدعون أنفسهم، وهم طلاب دنيا على حساب الحقيقة فأنا شخصياً أوافقه الرأى مائة بالمائة، أما بخصوص «أصحمه بن أبحر النجاشي لم يكن حبشياً بل سوداني من أهل دنقلا، وهنا أقف وقفة إجلال وتقدير وإحترام لهذه الهامة المتمثلة في شخص البروفيسور أحمد إبراهيم دياب، حيث ألتمس العذر وأطلب منه الإذن لأفرغ ما في جعبتي من حقائق تاريخية عن بلاد الحبشة ظللت أبحث وأنقب عنها لفترة قوامها 53 عاماً متنقلاً ما بين الحضر والبادية والهضاب والجبال الوعرة والأغوار والكهوف والأنهار والسهول والوديان ببلاد الحبشة، حيث لم أكتف بذلك مستنداً على من سطروا وعطروا سماء التاريخ على صفحات من ذهب، ومنهم على سبيل المثال أبو التاريخ هيرودتس، ومورس، وألن مودهيد، أضف إلى ذلك الكتب الآتية: جواهر الحسان في بلاد الحبشان، جامع الأصول، سيرة بن هشام، ملوك الحبشة، مهل العطشان في بلاد الحبشان، مروج الذهب، مشكاة المصابيح، بين الحبشة والعرب لماذا الهجرة لبلاد الحبشة: الإسلام والحبشة عبر التاريخ، آثار البلاد وأخبار العباد، خلاصة الذهب المسبوك مختصر سيرة الملوك، أزهار العروش في أخبار الحبوش، الطراز المنقوش في محاسن الحبوش، الخليقة، اللغات والقبائل، تاريخ ملوك الحبشة، الكامل في التاريخ، الروض المعطاء، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، أسد الغابة في معرفة الصحابة، وأخيراً لمسة أثيوبية وهو أحدث مجلد تاريخي أثيوبي في العصر الحديث، يوضح خارطة ومعالم الإمبراطوية الحبشية القديمة، ذلك السر الخفي للعلاقة المتميزة والرابط العرقي والديني والاجتماعي والجغرافي والثقافي والتاريخي والحضاري والسياسي والعادات والتقاليد التي تربط بين هذه الشعوب مجتمعة، حيث تعتبر الأمبراطورية الحبشية من أقدم الإمبراطوريات عراقة وحضارة وثقافة عبر القرون، وكانت تضم ما يعرف الآن بأثيوبيا الفدرالية وأرتريا والصومال وجيبوتي والجزء الجنوبي الغربي للجزيرة العربية لفترات متفاوتة ما يعرف الآن ببلاد اليمن والجزء الشرقي لكينيا وحتى مدينة سواجن، أضف إلى ذلك المناطق السهلية التي يجري فيها نهر النيل الأزرق والأبيض ونهر النيل وأتبرا، وتعني كلمة أتبرا بلغة التقري «الهجام ونهر سيتيت وبا سلام والقاش والرهد والدندر وغرباً حتى نهر النيجر وما وراء بحيرة جاد، ومن أشهر ملوك بلاد الحبشة الأوائل أبناء حام بن نوح وهم : إثيوبس:وكوش: ومصرام: وفوط: وحبش وزاغو، حيث كوّنوا عدة ممالك تحت إمرة مملكتين مركزيتين: الأولى «أكسوم» وعاصمتها «سبأ» وتقع في أعلى الهضبة، أما الثانية «كوش» وعاصمتها «مِروي «بكسر الميم»، وتقع على نهر النيل، ومن أشهر من حكموا إمبراطورية أكسوم: أثيوبس: حبش أرفدة: ومنليك الأول: والملكة ماقدة عند الحبش والعرب يطلقون عليها «بلقيس» والملكة «أستير» وتعني النار المحرقة، والملك سابا: وتواتسيا وبيعود والملكة أروى ومقدس وتقست وعند العصر الحديث الإمبراطور منليك الثاني، وآخر سلالة الملوك الذين حكموا أثيوبيا العليا الإمبراطور تقري مكنن «هايلو سلاسي» ، أما أشهر من حكموا إمبراطورية «مِروي» ً«كوش»: أفرو كاساى والد هاجر أم إسماعيل، حيث اشتق اسم «أفركا» من إسمه والملك نوب وبياقي وتهراقا وشبتاكا وبيرم وأسارو ومن الملكات أجوبا ملكة صوبا وستونا والكنداكة والملكة زائعة الصيت «ميرف» وتعني بلغة الأحباش إبرة الحياكة الحادة، حيث تجد هذه التسمية عند أهل أثيوبيا وحتى كتابة هذه الأسطر، حيث يفتقده أهل السودان الحديث. ٭٭ زيارتي لضريح ومسجد النجاشي:- * أخي الكريم الأستاذ أحمد إبراهيم دياب مرة أخرى أستاذي مع أحترمي لشخصك الكريم أقول لك بصريح العبارة: حديثك عن النجاشي الشهير الذي احتضن المهاجرين من الصحابة لبلاد الحبشة لم يكن حبشياً بل سوداني فهذا إجتهاد شخصي مقرون بتفكير عاطفي، والدليل على ذلك لم تذكر اسمه بالكامل، وعلى ضريحه كتب اسمه وهو «أصحمة بن أبحر بن أريحا» وكلمة «نجاشي» بلغة الأحباش الأسهرا تعني ملك و»نقوص» بلغة التقري تعني «ملك» كما يطلق أهل الفرس كسرى على الملك، والروم قيصر والهنود راما والشام هرقل والأتراك خاقان وأهل اليونان بطليموس واليهود مالخ والهنود يعسوب والعرب النعمان والزنج غانا وما أرويه لك عن هذا الملك الجليل ليست برواية مقتبسة من كتاب أو مجلة أو قصة من نسج الخيال، بل حدث كنت أحد أبطاله، وذلك عندما قدمت لي دعوة كريمة من الأخ الدكتور محمد كبر أثيوبي الجنسية وهو شيخ السجادة التجانية بأديس أبابا، وفحوى الدعوة زيارة ضريح ومسجد الملك الجليل عليه الرحمة أصحمة بن أبحر نجاشي الحبشة حيث عمت الفرحة جوانحي، والسبب الإحتفاء بالمولد النبوي الشريف بتلك البقعة المباركة التي أحتضنت في الماضي المهاجرين من الصحابة وعلى رأسهم السيدة رقية بنت رسول الله وزوجها الصحابي الجليل عثمان بن عفان ورفيق دربه جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس التي أنجبت أطفالها الثلاثة محمد وعبدالله ورقية ببلاد الحبشة، وثالثهم مصعب بن عمير. * الزمان العاشر من ربيع الأول عام 1432ه حيث استغرقت الرحلة من أديس أبابا في إتجاه الشمال حتى مدينة «مغلي» منطقة أكسوم زهاء الساعة بعدها ركبنا سيارة دفع رباعي زهاء الساعتين وما أدهشني وشد إنتباهي تلك الكنيسة التي لا تبعد سوى أمتار من مرقده، حينها همس لي الأخ الدكتور أن بهذه الكنيسة مرقد زوجته التي لم تنفصل عنه وتوفيت وهي على دين النصارى. * لقد كان تجمع ديني لا يوصف، وفاق الخيال لتلك الوفود الهادرة من مسلمي أثيوبيا في ذلك اليوم، وسوف نواصل الحديث بالتفصيل عن هذا الملك الجليل عليه الرحمة لاحقاً ، أما بخصوص دنقلا ومروي والبجراوية ونوري والمحس وسكوت شمالاً وحتى سنجة جنوباً أثبتت كتب التاريخ أن هذه البلاد معقل الأحباش، حيث قطن منطقة دنقلا وما حولها البعض من قبيلة حبشية تدعى «الدناكلة» الذين اشتهروا بصناعة الأبخرة والعطور، حيث اشتقت كلمة عروس مدنكلة من اسم هذه القبيلة التي لا تزال جذورها موجودة ببلاد الحبشة ويمارسون هذه المهنة بالإضافة لتربية نوع معين من القطط، ولهذه القطط كيس دهني يعلو دبره يستخرج منه مسك الزباد الذي يعتبر أقوى معتق للعطور، أضف إلى ذلك صيد التماسيح لإستخراج المسك من إبطيها، حيث كان بمنطقة دنقلا رجل يدعى «دنقلاي» وكان من أمهر صائدي التماسيح، وعند استخراجه للمسك من إبط التمساح لا يقوم بقتله بل يتركه ليقوص مرة أخرى داخل داخل الماء، وكانت له حاشية لحماية المنطقة من تواجد الإنسان بها، ويعود السبب في ذلك عدم إزعاج التماسيح والنفور لجهة أخرى، حيث كان يروضها برمي الأنام والكباش بعد ذبحها داخل النيل لتقتات منها، وبعد موته أتى البعض وقطنوا هذه المنطقة وأطلقوا عليها اسم دنقلا، حيث تجد أن أكبر نهر ينحدر من الهضبة الأثيوبية، متجهاً نحو الشرق، حيث يصب في البحر الأحمر بأرض الصومال، يطلق عليه «دنقلاي» عليه فإن ما سطره المؤرخون وتشابه الأسماء والسحنات يؤكد صدق ما كتبوه، والله هو أعلم بكل الأمور.