كلمة «ضياع» تعني أن شيئاً ما قد كان بيدك فضيعته، وعلى نفس سياق الكلمة ومعناها المُبكي كتب الدكتور حيدر ابراهيم قبل سنوات مؤلفه (السودان الوطن المضيع)، أما الكاتب الصحفي عثمان ميرغني فقد ركز على كيفية حدوث الضياع نفسه، من خلال كتابه الذي دفع به للساحة حديثاً (كيف أضاعوا السودان؟! .. عشر مخازٍ سودانية) الصادر عن مطبعة الشريف الأكاديمية 2015م. وفي كتابه يختار المؤلف عشرة أحداث تاريخية معينة مرت بالسودان ويسميها بالمخازي العشر وهي:(السودنة، وانقلاب عبود، وتسييس الخدمة المدنية، وحل الحزب الشيوعي، قرارات التأميم والمصادرة، قرارات الرياضة الجماهيرية، حل جهاز الأمن، تدمير مصنع الشفاء، محرقة دارفور، وفتك الشعب بشرطته)، ويعلل لأسباب اختياره للمخازي العشر واكتفائه بها. المتابع لكتابات عثمان ميرغني طيلة السنوات الماضية لن يستغرب، مما هو بمتن الكتاب لأن الرؤى المبثوثة من خلال الكتاب لا تختلف أو تبتعد كثيراً عن ما ظل يقوله وينادي به بكتاباته ومقالاته بروايته المعروفة حديث المدينةَ. عثمان ميرغني، يرمي باللائمة على النخب السودانية التي تهافتت على سودنة الوظائف واستعجالها في ذلك مما تسبب- حسب رأيه- في انهيار العديد من المؤسسات، ويشير كذلك إلى استعجالنا في نيل الاستقلال الذي كان مخططاً له العام 1967 بدلاً عن 1956 ويرى أن استقلال السودان الحقيقي تم بدخول قوات المهدي وتحرير الخرطوم في 26 يناير 1885، ويجري بعض المقارنات مع الدول التي نالت استقلالها في نفس الفترة معدداً انجازاتها في تأطير دساتيرها وبناء مؤسساتها السياسية والمدنية، كما يلوم الساسة بتغليبهم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة منذ سودنة الوظائف، وتدخلهم في الخدمة العامة ويقول:«كثير من الذين أطاح بهم شعار (التطهير واجب وطني) لم يكن لهم نشاط،أو انتماء سياسي، وربما بعضهم من أكفأ قيدات الخدمة المدنية، لكنهم راحوا ضحية الكيد ربما الشخصي المستتر بأثواب الثورية الحمقاء».