٭ ما زلت أتذكر كثيراً من إفادات علي عثمان محمد طه، في الحوار الذي أجرته معه الغراء «الرأي العام» العام الماضي، ومنها قوله «إن فكرة عودة الإسلاميين كما كانوا قد تجاوزها الزمن»، رغم إشارته إلى أن وحدة الإسلاميين من ناحية فكرية مطلوبة. لكن الأهم في حديث طه اعترافه بأن صراع الإسلاميين كان فيه جزء كبير مرتبط بدوافع شخصية، لكنه تلبس وتجسد في قضايا موضوعية، وكان ذلك مثار نقاش شباب الإسلاميين الذين اجتروا ذكريات المفاصلة الأليمة. ٭ لكن حالة مغايرة قد تكون انتابت الإسلاميين خاصة من هم يتشوقون لوحدة الصف مجدداً عند مطالعتهم «الخبر المحترم»، الذي نشرته الصحيفة أمس، والذي مفاده مهاتفة الرئيس البشير للقيادي بالشعبي د.علي الحاج بمقر إقامته بالمانيا ومطالبته له بالإسراع في العودة للبلاد. ٭ مياه كثيرة جرت تحت الجسر منذ رفض البشير، علي الحاج نائباً له خلفا للشهيد الزبير في فبراير 1998 وتفضيله ل«طه»، وبعدها بفترة قليلة فجرت مذكرة العشرة الشهيرة «قناة» المفاصلة التي جرى عبرها نهر «الخلاف والمخاصمة» بين مفجري الإنقاذ. ٭ لكن مما لا شك فيه أن «المطبات» اعترضت طريق عدد مقدر من أصحاب المذكرة الشهيرة، فها هو علي كرتي خارج دائرة الفعل السياسي، بينما بات علي الحاج أقرب من غازي صلاح الدين الذي خرج بالضربة القاضية من ساحة «الوطني» ، بينما اجتاح إعصار التغيير نافع علي نافع، أما مطرف صديق انتهى إلى سفير بالخارجية وممنوع بنص القانون من ارتداء قميص السياسة، وكذلك بهاء الدين حنفي، أما سيّد الخطيب فمثله وآخرين يرى أن انفصال الجنوب في بسبب «نيفاشا» ، فيما عثمان خالد مضوي «الفيهو مكفيهو» وقد تخلى عنه إخوانه من قبل، وقد مر بظروف عصيبة، وتوارى حامد تورين عن الأنظار تماماً والذي اشتهر بتلك المذكرة المغضوب عليها. ٭ يهاتف البشير أخطر رجال الحركة الحركة الإسلامية وأكثرهم تمرساً بالعمل السياسي ومنعرجاته وتقاطعاته.. وحديث الرئيس مع الحاج له ما بعده دون شك، خاصة وأن الشعبي بات متمسكاً بالحوار أكثر من المؤتمر الوطني نفسه الذي يزعجه هذه الأيام الحديث عن الحكومة القومية التي تعني التغيير والمستثنى منه فقط الرئيس البشير. ٭واستثناء الرئيس يعني أن له الحق في الاختيار وليس هناك ما يلزمه أن تكون الغلبة فيه للوطني الذي شبهه بالأمس بالاتحاد الاشتراكي، وقد اختار مناسبة لها وقعها ليطلق ذلك التشبية حيث كان يخاطب ختام شوري حزبه. ٭ قال طه في الحوار أعلاه «أن فكرة عودة الإسلاميين كما كانوا قد تجاوزها الزمن»، وقطعاً لم يأت بجديد، فما د. الترابي هو الشيخ الذي يفكر بعقلية 1999م، وما علي الحاج هو كذلك، نعم خرجوا عبر «بوابة» المفاصلة، ولكنهم يعودون الآن عبر«الحوار».