بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور، وصل على سيد ولد آدم النبي الخاتم وعلى آله وصحبه وأزواجه أكمل الصلوات وأتم التسليم. وبعد: يقول المولى عز وجل «ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا للّه وإنّا إليه راجعون» صدق الله العظيم. اليوم بعد مرور عام على رحيل أيقونة الحب والوئام أخي ورفيق دربي عبد الحميد الفضل الذي غادر دنيانا من قاهرة المعز بعد صراع مع المرض في مثل هذه الأيام منذ عام مضى وما أقصر العمر وأسرع الأيام، فكل يوم يمر علينا ونحن إلى المنية أقرب، هكذا هي الدنيا دار ارتحال وإن استكثرنا من العمران، ودار فناء وإن غرتنا بزخرفها وحسن البنيان، إننا اليوم مجتمعون وغداً راحلون.. فكم من أخ صديق جمعنا به مجمع عمل أو مجلس أنس أو صداقة عمر ورفقة صبا فخطفته منا يد المنية على حين غرة، فتفغر الأفواه من هول المصاب ومن ثم نستدرك ونسترجع حتى يحل علينا هول آخر، وكلنا في هذا الطريق ذاهبون و«إنّا للّه وإنّا إليه راجعون». ولن يرافق العبد من متاع الدنيا شيء فلا ملك ولا مال ولا زوج ولا ولد إلا عمل قد عمله وكسب قد اكتسبه، وقد أفلح الفائزون وخاب الخاسرون. إنه من أعظم الابتلاء فقد الأحباب والخاصة بين غمضة عين والتفاتتها فيد المنية أسرع والموت يتخطفنا، فاليوم نكون بكاة وغداً مبكياً علينا.. فهول مصاب المصائب فاجع وحزنه بالغ وأساه يفوق كل مؤاساة، لكن ما لنا غير القبول والاسترجاع، فلله ما أعطى ولله ما أخذ.. فهذا درب مطروق وهو منتهى العالمين الأولين منهم والآخرين.. فأنا اليوم أكتب لأعزيكم ونفسي في فقد عزيز.. بكته القلوب قبل العيون.. فقيداً ترك فينا جرح اليتم ونحن كبار.. تعرفه المحافل والمنابر والهوجات طيباً كريماً سمحاً منافحاً مناصحاً غيوراً صبوراً. فيا عجباً للقبر كيف يضمه وقد كان سهل الأرض يخشاه والوعر وما مات ذاك الماجد القرم وحده بل الجود والإقدام والبأس والصبر ويا قبر كيف واريت جوده وقد كان منه البر والبحر مترعا بلى قد وسعت الجود والجود ميت ولو كان حياً ضقت حتى تصدعا فتى عاش في معروفه بعد موته أناس لهم بالبر قد كان أوسعا ولما مضى مضى الجود كله وأصبح عرين المكارم أجدعا لا تضيق به المجالس وإنما يتسع بها اتساعاً يحتوي الجميع فضلاً وهو الفضل ابن الفضل، إنه فقيد الدار وخير الجار أخونا الأكبر عبد الحميد الفضل علم على رأسه نار، سيد قومه أدباً وشهامة، لم نألفه ضجراً إلا في مواضعه ولا غاضباً ولا شاتماً، بل كان الملاذ بلا نفور، طيب المعشر حلو الحديث، أخاً في النائبات.. حضوراً في الملمات.. يفقدك الأهل والعشيرة، فقد كنت فينا كبيراً، سيفقدك أخوتك في حزب الأمة يا رجل أمة، وسيفقدك أحبابك في طائفة الأنصار مع إظلامة كل ليل وإشراقة كل نهار. أرثيك يا كريماً تردد ذكره بين الأنام وهل يفيد بياني خالد ولن يجد الزمان بمثله شهماً شريفاً طيفه أشجاني إن الفقيد علم غني عن التعريف، فقد كان من رموز منطقتنا رومي البكري، بل من رموز السودان. كان الفقيد أحد رموز ثورة أكتوبر المجيدة، وكان رئيساً لاتحاد طلاب المعهد الفني. ولقد كان الفقيد علماً من إعلام الفكر والسياسة السودانية وكان عضواً في المكتب السياسي لحزب الأمة، تدرج في مراتب الحزب حتى كان واحداً من ستة نالوا لقب الأمير، فكان أميراً بحق وحقيقة وكان عضواً في مجلس الحل والعقد، فكان حلالاً للعقد. الفقيد تربطني به صداقة لم يؤثر فيها فارق السن بيننا، فهو أخي وابن خالتي وابن عمي وصديقي وكان نعم الأخ والصديق، وكان عطوفاً بالفقراء والمساكين والأرامل، والخصلة التي حببت فيه الناس هي حبه لأهل بلده ومنطقته وتواضعه وتواصله معهم، فقد كان مع الكبير كبيراً ومع الصغير صغيراً باراً بأهله.. مواصلاً للأرحام. أخي عبد الحميد أبا الهيثم، أبا نزار، أبا عبد الكريم أبا رحاب، أبا هاجر والصفوة المختارة من أخوانك وأخواتك وأحفادك. عهدتك واعظاً في كل خطب.. وأنت اليوم أوعظ منك حياً تشيعك القلوب وأنت فيها.. حبيباً طاهراً عفاً تقيا رحلت وفي الحشا مليون جرح.. على فراقك تدمي جانبيا الموت يا إخوان لا يؤلم الموتى، الموت يؤلم الأحياء سنذكرك عبد الحميد كلما ذكرت المروءة والكرم سنذكرك كلما وصلنا أرحامنا والأهل سنذكرك في كل بقعة نقف عندها في البلد سنذكرك كلما نادى المؤذن وقت السحر سنذكرك كلما نظرنا لعبد الكريم والهيثم ألا رحمك الله يا عبد الحميد رجل القرآن والسنة ألا رحمك الله يا عبد الحميد رجل السيرة العطرة ألا رحمك الله يا عبد الحميد يا واصل الأرحام ألا رحمك الله يا عبد الحميد يا كافل الأيتام. اللهم أرحمه رحمة واسعة واجعل البركة في ذريته وابدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله والهم زوجه الميمونة وأبناءه وإخوانه وأحفاده وأسرته الصغيرة والكبيرة الصبر الجميل.. اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر اللهم لنا وله. يقول تعالى «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا» صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.