بدات كوثر الطيب ترتجف .. وبائع الجرائد يلوح بصحيفة الدار.. المنشيت الأحمر الحكاية الكاملة لاختطاف طفل الصافية .. المدينة المتسعة تضيق .. اتصلت على مكتبها تطالب بإلغاء كل المواعيد .. أحكمت وضع النظارة السوداء قبل أن تشتري حزمة من الصحف .. كل الصحف أفردت مساحة لحادثة البارحة.. صحيفة المدينة التقت والدة الطفل المخطوف التي روت التفاصيل.. توقفت عربة بيضاء في الإشارة بينما كنت انتظر المواصلات نحو الحادية عشرة مساء.. ترددت من المضي نحو السيارة، ولكن طفلي ذي الخمس سنوات مضى نحو العربة .. نزل رجل ضخم وخطف طفلي الصغير.. حاولت أن استنجد بالمارة، ولكن لم ينتبه أحد. * جذبت كوثر نفساً عميقاً.. بدأت تتحدث إلى نفسها ..كل الناس أدمنت الكذب..نزلت دمعة واُخرى على خدها الناعم ..أحيانا يجد الانسان كل شيء وفي ذات الوقت يفقد كل شيء.. تزوجت بعد تخرجها من الجامعة.. قصة الحب العاصفة انتهت إلى حطام.. ابن عمها عصام حمد النيل الذي كتب فيها عشرات القصائد تحول إلى وحش ..عند كل اختلاف في وجهات النظر تمتد يده .. يضربها بعنف .. لم يشفع لها جمالها ولا ثروة أبيها الطائلة ولا صلة الدم .. بعد عام ذهبت إلى المحكمة تطلب الطلاق .. حينما إطلع القاضي على آثار الضرب مصحوباً بتقرير طبي حكم لها بالطلاق. عصام حطم في دواخلها الصورة الزاهية للحب .. انصرفت كوثر تعمل مع والدها في شركة التأمين ..كل ما اقترب منها رجل تعود إلى كوابيس الماضي .. دون تردد تعتذر .. خطيب وثاني وثالث..فجأة تنتبه إلى أن قطار العمر اقترب من الوصول إلى محطة اليأس .. تتصرف بعشوائية تريد رجلاً يمنحها طفلاً ثم يمضي إلى حال سبيله.. كل القائمة تحتوي على رجال يتكئون على الطمع .. يريدون أن يرثوا مملكة المال التي أسسها والدها الطيب الحسن .. استيقظت كوثر ذات صباح ومضت إلى غرفة والدها تحمل فنجاناً من القهوة .. آخر فكرة مجنونة خطرت لها إقناع والدها بالزواج .. تريد أخاً يرث العرش.. ماتت أمها قبل خمس سنوات، وقبل ذلك مات شقيقها بذبحة قلبية مفاجئة .. لن تترك كل هذا المال لغرباء .. حينما دخلت وجدت حاج الطيب غارقاً في هدوء وسكينة.. رفعت صوتها ولكنه لم يرد.. صاحت وصاحت لم يرد .. استنجدت بالشغالة .. حينما وصلوا إلى المشفى، كان التقرير يؤكد وفاة الوالد قبل ست ساعات..زاد خوفها..تركت البيت المتسع لتعيش في شقة صغيرة بالطابق الخامس. منذ ذلك اليوم الذي توفى فيها الوالد بدأت كوثر تتصرف بشكل غريب ومُريب.. إحساس بقرب دنو الأجل .. بدات تحول كل الأموال السائلة إلى أصول .. كتبت وصيتها بأن تؤول كل الأموال والأصول للأوقاف ..لم تكن تتحمل أن يستمتع أبناء عمومتها بهذه الثروة..كيف لعصام وأشقائه أن يحصدوا ثماراً لم يزرعوها أبداً..مرارات الزواج الفاشل تسيطر عليها دائماً .. وحينما تنظر لابن عمهاعصام الذي تزوج وأنجب تزيد الأحزان. في تلك الليلة توقفت بعربتها ذات الدفع الرباعي في إشارة حي الصافية بشارع الانقاذ.. كانت تفكر ماذا لو صبرت على عنف ابن عمها ..كان بامكانها أن تكون أماً..في هذه اللحظة انتبهت على طرق على نافذة السيارة المظللة.. طفل رائع في الخامسة يطلب منهما بعض المال .. أخبرها أنه جائع ..بدأت ترتجف .. سألته أين أمك..أشار إلى ناحية بعيدة في الشارع .. رأت سيدة تتكوم فيما تحمل طفلاً رضيعاً .. إشارة المرور تعدو بسرعة .. فكرت كثيراً .. أخيراً فتحت الباب وطلبت من الصغير أن يركب لتمنحه طعاماً .. لم يتردد الصغير ولم تنتبه الأم .. تحركت العربة وفي جوفها الصغير .. كان يسألها بإلحاح عن الطعام .. توقفت عند بقالة في الشارع .. اشترت كمية من البسكويت والعصائر.. بدأ مصطفى يأكل بشراهة فيما كانت كوثر تبكي في ألم..بعدها أخلد الطفل إلى النوم وفي فمه قطعة من الشوكولاتة. هنا انتبهت كوثر ماذا تفعل.. كانت دواخلها تتحدث بلسانين.. خيار أن ترده إلى السيدة المهملة والفقيرة وخيار أن توفر له حياة جميلة، وسعيدة .. ستصرف عليه كل ماعندها حتى يصبح طبيبا ناجحاً.. كيف وكيف.. أخيراً انتصر رأي إسعاد الطفل .. ستأخذه ليعيش معها في الشقة .. سترسم سيناريو يجيب على كل الأسئلة. لم تنم ليلتها.. كان شبح المرأة ذات اللون الفاتح يطاردها .. حينما تنظر إلى مصطفى الصغير تبكي ثم تضمه إلى حضنها ..لا تدري لماذا أحبت هذا الطفل الغريب..انتهت الليلة الطويلة، في الصباح لم يبتسم الطفل بل راح في نوبة بكاء .. يريد العودة إلى أمه الفقيرة .. عرفت كوثر أن الأم سيدة متسولة تبدأ عملها منذ الرابعة مساء إلى ما بعد منتصف الليل .. تسكن الأسرة في حي العزبة ببحري .. قررت أن ترد الطفل إلى أمه وتتكفل بمساعدة الأسرة ..مضت إلى أكثر من ذلك ستعود إلى منزل والدها في الخرطوم (2).. وتمنح أسرة مصطفى جزءًا من الدار..هكذا سيتحقق حلمها في تنشئة مصطفى . عند الثامنة صباحاً قررت كوثر أن تعود إلى مكان الأم..ربما تجد من يدرك العنوان..تركت مصطفى في البيت مع الشغالة التي لا تتحدث العربية.. حينما أوقفت العربة الفاخرة وباتت تتطلع في الوجوه..تقدم منها شاب يعرض المساعدة ..حينما شرحت له أوصاف المرأة التي تبحث عنها (كبست) عليها الشرطة من كل الجوانب .. صورة كوثر باتت على غلاف كل الصحف تحت عنوان سيدة أعمال تخطف طفلاً.