كأنه يذيع سراً... كشف الأستاذ حسن اسماعيل وزير الحكم المحلي بولاية الخرطوم أن المسوحات الأولية التي اهتدى إليها أشارت الى) أن الريف مستودع ومخزن مفتوح للموارد، وعدد سكانه 30 بالمائة من سكان الولاية).. حسناً يا حسن أن وظفت رصيدك الصحفي وحسك الإعلامي لتخرج للناس بما يشبه المبادرة.. وهي فعلاً مبادرة لو انك جعلتها) مجتمعية (جديرة بالمساندة الأبقى والأغنى.. إني جراء متابعة متقطعة عبر إعلام خافت رأيت الخطوة قد توجهت صوب المرمى الرسمي، حضوراً وخطاباً، فافتقد المراقب الزخم المجتمعي الماثل أصلاً في تجربة تطوير الريف الراسخة بالبلاد، وإن توارى إشعاعها القديم المؤجج لفضائل العمل الطوعي الضارب في المجتمع برصيده ورواده وذكرياته الصادقة ونبيلة، ألم تكن(البان جديد) من إلهامات ذلك الريف الوريف؟. لقد تجلى السند الرسمي من خلال الخطاب الرئاسي، حيث أعلن النائب الأول( الاهتمام بالريف التزام دستوري)لمس الحاجة الحقيقية لهذه الوقفة( تقليل الهجرة الى المدن )وتحريك) مآثر الخير خاصة في مجال العمل الطوعي،) مما مهد لتعميم فكرة المؤتمر لسائر الولايات، فالريف يتمدد بخيره ليفيض على كل السودان متى عدنا إليه وخالقناه بخلقه.. لتكن المسألة أكثر من دعم رسمي مستحق للمحليات ..لتكن دعوة حميمة نحو ما يصلح الحال فعلاً، عودة للجذور، للأصول، لمنبع الموارد، للريف الذي ظلت تلازمه مفردة (الحبيب) ..إن لفكرة تطوير الريف تاريخ مجيد يعزز هذه العودة على يد وزير يتملكه هاجس أن يأتي بجديد يقنع المراهنين بأن لا جدوى.. إن لسان حاله بعد ملحمة دخول الوزارة يذكرنا بلهجة الفاتحين( إني وإن كنت الأخير زمانه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل)..عسي ولعل). إن نزعة مواجهة التحدي عند البشر قديمة وتظل العبرة بالنتائج.. كان بالإمكان أن يعين هذه الخطوة استقراء إرث محاولات تطوير الريف ورصيد الأوائل الذين ارتبطوا بالفكرة.. إن قائمتهم تطول وتزدهي مما يحتم على اي مجدد للفكرة أن يعير تجربتهم نظرة من منطلق الوفاء والاستفادة من موروثهم المجيد، وحتمية تواصل جهود الأجيال والتسامي على غرور البداية من الصفر.. فأين مثلاً رصيد مبادرة جامعة الخرطوم بالانفتاح على الريف القريب لها، ريف الخرطوم على أيام الدكتور مختار عجوبة ورهطه من الباحثين في تنمية المجتمع، وأين تلك الأفكار التي اضاءت دور الجمعيات الطوعية منذ اشتعال الجركة الوطنية، الى هبة مثقفي الجامعات وظهور الدراسات الإضافية ومؤتمر اركويت الشهير لقضايا التنمية بالاقاليم؟.. وللمصادفة هذه المبادرات وراءها الصحافة وصحافيون. لمعالم الانفتاح على الريف رصيد ضخم يحتاج لتوثيق منصف، أين تلك المعالم المميزة لريف ولاية الخرطوم، كمراكز التنمية الاجتماعية بالقرى (مركز ابو حليمة المدعوم من الجامعة العربية نموذجاً)؟.. نحيي فكرة تطوير الريف المحتفى بها بالخرطوم وربما حضرها وزراء الولايات فجعلوها رؤية اتحادية معززة لأشواق الحكم المحلي كأساس للحكم في السودان.. هذه الأشواق تعيد للأذهان فلسفة إنشاء مشروعات رائدة، الجموعية، ود رملي، الحصا، مصنع بابنوسة للألبان، كريمة للفاكهة، الكمالي للنسيج، فهي مثال لوجاهة فكرة تطوير الريف عملياً.. كم من مبادرات للأهالي ومشاريع وتعاونيات وتحرر من المعونات المشبوهة، ولجان مبادرة للمجتمع المدني تكرس جهودها لجمع كلمة مواطني القرى تجاه هدف مشترك، تشيد المدرسة والمركز الصحي وتؤهل القيادات الطبيعية وترسخ مفهوم (الاعتماد علي الذات) كأساس لكسب عون الدولة وهو الانموذج المعتمد عالمياً وقامت على أساسه العديد من القرى والمدن بالبلاد ..إني من واقع مبادرة عشتها وساندتها كمختص بقسم تطوير الريف بوزارة التعاون والتنمية الريفية 1974 أجد في نشأة (الكلاكلة الوحدة) على أيدي لجنة منتخبة من سكانها خير مثال لمجتمع منشود بشرت به الاستراتيجية القومية )المجتمع القائد( مبادرات ومبادرات، فهل بغير المبادرات المجتمعية يتسنى الانفلات من فك زحام المدن هذا المفترس؟. هناك علامات لمبادرات عديدة جديرة بالاعتبار والتوثيق والاستثمار لصالح النجاة من زحام المدن وضيق الموارد الرسمية.. فمسألة العودة للريف والجذور والأصول ومرتع الصبا والمدن الوريفة اصبحت تستهوي العالم كله، بعد أن ضاق ذرعاً بالمدن وفسادها و(مساخة بعض سكانها)..إن المحلية الآن أساس العالمية ..التنمية المستدامة قاعدتها التنمية من تحت يندمج فيها سائر المواطنين لتتحقق مشاركتهم، ولا بد منها فهم الغاية والوسيلة معاً ..ليت هذا المؤتمر اهتم بهذه المبادرات والتجارب كمنطلق لأشواقه وليته استدعى سيرة الرموز التي ارتبطت بالفكرة تاريخياً وكرم نماذج لها، مما يلفت الأنظار ويعلي إعلامياً من شأن تجمع نوعي طموح، كهذا. بالإعلام (حملة، مؤتمر صحفي، أفلام وثائقية، تنويهات، مقالات، سهرات، حوارات تثير الجدل حول قضايا الريف) يتسنى تفاعل قطاع واسع من أهل الشأن مع المؤتمر، فتحذو الولايات حذو الخرطوم ويصبح (تطوير الريف) شأناً قومياً ودستورياً كما نوه النائب الأول..الآن وقد انفض السامر فغاية المنى أن يكون هذا المؤتمر قد جدد الآمال في ريف تكتنز موارده وفضائله، فتسترد البلاد عافيتها ومصدر فخرها بهويتها.