بعد سنوات طويلة في ديار الغربة والعمل في أكبر المؤسسات الإعلامية (صحيفة الشرق الوسط) عاد الإعلامي الكبير إمام محمد إمام ليستقر به المقام في أرض الوطن ويمارس مهنته بالصحف المحلية..بداية هذا الحوار كانت عادية تخللتها القفشات إلا أنه انتهى بالحزن الذي سيطر على الموقف وذرف أمامي الدموع وهو يسترسل ذكرياته ل (آخر لحظة ) .. لكنه ظل يتحدث بالعربية ولم يعرج إلى الإنجليزية كما يفعل في بعض المؤتمرات الصحفية. حوار: ابتهاج العريفي.. تصوير: سفيان البشرى حدثنا عن بعض ملامح سيرتك الذاتية؟ إمام محمد إمام درست مراحلي الثلاث الابتدائي والمتوسط والثانوي بمدينة كسلا ثم درست بجامعة الخرطوم كلية الآداب متزاماً مع دراستي بمعهد الموسيقي والمسرح والذي كان آنذاك يتبع لوزارة الثقافة والإعلام وعينت مساعد تدريس بجامعة الخرطوم وبعثت للدارسة فوق الجامعية وعملت محاضراً بالجامعات البريطانية ثم محاضراً بكلية الإعلام بكلية "سيتي " بلندن وتدرجت في صحيفة الشرق الأوسط في الأقسام المختلفة وكنت معلقاً أساسياً في الفضائيات العربية والأجنبية إبان إقامتي ببريطانيا. متى ولجت إلى عالم الصحافة؟ كانت البدايات بصحيفة الصحافة في عهد الأستاذ فضل الله محمد وأنا طالب في السنة الثالثة بكلية الآداب وطلب مني الأستاذ فضل الله أن أحضر شهادة من كلية الآداب تثبت أن عملي في الصحافة لن يؤثر في دراستي الأكاديمية وبالفعل وافق البروفيسور عثمان سيد أحمد عميد كلية الآداب وعليه تم تعييني محرراً بالصحيفة وتدرجت في أقسامها المختلفة الى حين مغادرتي البلاد, وكنت في الجامعة منذ السنة الأولى مقرباً من البروفيسور عمر محمد بليل في الجانب الإعلامي وإعداد خطب المدير بمناسبة الجامعة المختلفة, وكان لي بمثابة الأخ الكبير والراعي العطوف. هل هنالك نشاطات أخرى كنت تقوم بها أثناء دراستك بالجامعة ؟ نعم كنت أقدم برنامجاً تلفزيونياً أسبوعياً مع استاذي الراحل البروفسير عبدالله الطيب بعنوان «شذرات من الثقافة» وقد صادف هذا البرنامج قبولاً جماهيرياً رغم انني كنت طالبا بالسنة الاولى بالجامعة إضافة الى تقديمي برنامج اذاعي يومي بعنوان «آفاق» وكان بمثابة جسر تواصل مابين أساتذة جامعة الخرطوم ومستمعي الإذاعة وقدمني الى الاذاعة الاستاذ الراحل محمود ابو العزائم بعد ان استضفته في منتدى الفلاسفة بكلية الاداب جامعة الخرطوم, حيث كنت سكرتيرا اعلامي للمنتدي ومقدما لفعاليته ولم يكن عملي كمذيع أحد طموحاتي وصارحته بذلك واقترح علي برنامج «آفاق» و كنت متعاونا مع مجلة الاذاعة والتلفزيون ومن المصادفة ان هذه المجلة تستقطب ناشئة الصحافيين وتشجعهم في السير في مسار العمل الصحفي وكنت احدهم آنذاك. يشاع أنك عملت بالصحافة الرياضية؟ في ذلك الزمان ظهر ما يعرف ببدايات الصحافة الرياضية وكانت أولها صحيفة «نجوم وكواكب» للأستاذ النعمان حسن وعملت بالصحيفة تحت الإشراف المباشر للاستاذ الرياضي المعروف محمود هساي ولكن سرعان ماهجرت الرياضة الى السياسة وأجناس العمل الصحفي الأخرى. ماذا عن تجربتك في صحيفة الشرق الأوسط «اللندنية» ؟ أتيحت لي سانحة العمل بصحيفة «العرب « لفترة وجيزة ومنها انتقلت الى صحيفة الشرق الأوسط في أغسطس 1988 وأحسب ان التجربة أكسبتني تجربة المهارة الفنية والعلاقات الإنسانية ويسرت لي الاطلاع على كثير من دول العالم التي زرتها في مهام صحفية وإعلامية كما برز اسمي كمعلق سياسي في قضايا السودان والإسلام في الفضائيات والإذاعات العربية والأجنبية, والشرق الأوسط مدرسة تتيح لك إنفاذ كثير من النظريات والأكاديميات نتيجة لشدة المنافسة. ما سر العلاقة التي تجمعك مع وزير الصحة بالخرطوم د.مأمون حميدة؟ تعرفت على الأخ الصديق مأمون حميدة في لندن في مطلع تسعينات القرن الماضي إبان تسلمه إدارة جامعة الخرطوم من خلال الصديق علي محمد عثمان ياسين سفير السودان في المملكة المتحدة وآيرلندا, وبالفعل تطورت هذه العلاقة تطوراً ملحوظاً من خلال دعواته لي لبعض الفعاليات التي ينظمها في السودان خاصة بعد إنشائه لجامعة العلوم الطبية والتكنلوجيا, وما أن يحضر الى لندن إلا وكانت بيننا لقاءت حتى أنه زارني أكثر من مرة بصحيفة الشرق الأوسط. تفتي في بعض المسائل الدينية وأنت لست بعالم أو فقيه؟ لا أفتي في المسائل الفقهية ولكنني مغرم بالتأصيل الفقهي وتقديم بعض الحيثيات الفقهية على مسائل خلافية بين جمهور الفقهاء واستمديت ذلك من دراستي الجامعية ومن اطلاعي الكثيف بأمهات كتب الفقه والأصول ومجالسة بعض الفقهاء المعاصرين وكنت إبان إقامتي في بريطانيا عضواً مراقباً للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث برئاسة الشيخ العلامة د.يوسف القرضاوي, وكنت عند زيارتي الى السعودية أحرص على مجالس العلم للشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة آنذاك والشيخ محمد بن صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة وغيرهم من الفقهاء والعلماء الى جانب أنني كنت مشرفاً على الشؤون الدينية بالشرق الأوسط إلى حين مغادرتي لها. تتوسط لحل مشاكل الصحافيين آخرها كان شأن شركاء التيار؟ أحرص دائماً على معالجة الكثير من الخلافات والخصومات التي تحدث بين الزملاء الصحافيين ومن أجل ذلك حرصت على تكوين لجنة «كرام الصحافيين» التي تضم عدداً من أبرز قيادات العمل الصحافي الذين يشاركونني هم التوسط بين الفرقاء في الوسط الصحفي وآخر عمل لنا هو الوساطة التي تجري الآن بين الأستاذ عثمان ميرغني وشركائه دون المساس بمراحل التقاضي أو التأثير على احكامها ولكن نعمل جاهدين علي تخفيف المشاحنات وإزالة أسباب الملاسنات بين الأطراف جميعاً. البعض يقول إمام فشل في إدارة صحيفة «التغيير» لكنه مازال قريباً من مالكها حميدة؟ لم تكن تجربتي فاشلة ولكنها صدمت بكثير من المعوقات لإنفاذ بعض الأفكار التي لم تجد أرضاً خصبة للنمو فيها ومن داخل مفهوم شخصي في عملي بالصحافة الأجنبية لأكثر من عقدين لا يمكن ان يكون بذات المفهوم لصحافي الداخل ولذلك هذا التباعد سيفعل قدراً من التنافر الذي استفحل معالجتة فما كان مني إلا اختيار العمل الأكاديمي لأنه يناسبني في هذه المرحلة أكثر من ذاك العمل المهني اليومي. مقاطعة..هنالك شكوى من بعض الصحافيين بذات الصحيفة بأنك مارست عليهم ضغوطاً صارمة «مثل الحضور مبكراً وعدم الأكل داخل القاعات» ؟ أرى أن هنالك ثقافة عمل صحفي بالسودان من الصعب تغييرها وهي متعلقة بالتشديد على المعايير وضوابط النمو المهني الذي يزاوج بين إدراك المنظومة الصحافية وعمل منسوبيها من اجتماعات وتقارير وصيغ تحريرية غير مفهومة لدى كثير من الصحافيين فيها شيء من الاعتساف والتشدد فتلك مباغتة أرغمتني على المغادرة. هل متوقع أن تترشح لرئاسة اتحاد الصحافيين مستقبلاً ؟ لا استبعد ذلك إذا ما أجمع زملائي وزميلاتي على أن البعد الخارجي قد يفيد في تسيير منظومة الاتحاد, ولكن هذا الأمر لا يتوقف على طرف بعينه بل من الضروري أن نتواقف على مساحات مشتركة تعين بعضنا البعض في إنفاذ طموحاتنا لترقية الأداء الصحفي والتأمين على الحريات الصحافية ومكتسبات مجاهدات الصحافيين والصحفيات. تستخدم بعض المصطلحات الإنجليزية بجانب العربية عندما تتحدث في المؤتمرات .. هي»فشخرة» منك؟ ضحك برهة ثم قال «حاشا لله» أن يكون هذا مقصدي بل إن اقامتي لأكثر من ثلاثة عقود في بريطانيا وأجواء الحياة هناك كلها باللغة الإنجليزية حتى أن صحيفة الشرق الأوسط رغم أنها صحيفة عربية ناطقة باللسان عربي فمكاتباتنا اليومية الورقية كانت تتم بالإجليزية ولكل هذه الأسباب مجتمعة تفرض علينا اللغة الإنجليزية بالرغم من أنني أعلم أن ذاك يثير حفيظة بعض زملائي بل إن بعضهم هاجمني صراحة في صحفهم على هذا المسلك الذي أحاول قدر ما استطيع التخفيف منه حتى لا يثير حفيظتهم. ماهي علاقتك بالراحل الدكتور حسن الترابي؟ تربطني بالشيخ الترابي صلات طيبات وعلاقة فيها قدر من الحميمية وكان أول حوار مطول لي في عملي الصحفي أجريته معه في العام 1978عندما كنت متعاوناً في صحيفة الصحافة وكان هذا الحوار قد مهد له حديث استفزازي للراحل الموسيقار محمد وردي في صحيفة القوات المسلحة وقال إن المبدعين كلهم من اليسار وليس هنالك إبداع أو فنون عند أهل اليمين فأخذت هذه الجزئية وذهبت إلى الترابي عارضاً بأنها فكرة لإجراء حوار وألقى عصا موسى لتلقف مابدر من اليسار السوداني حول الإبداع والفنون وراقته الفكرة ووافق على إجراء الحوار في أقل من ثلاثة أيام للعدد الاسبوعي بجريدة الصحافة وكان حواراً مطولا أثار الكثير من الردود داخل السودان وخارجه وأفردت مجلة الدعوى التي كان يصدرها الإخوان المسلمون في مصر في عهد الشيخ عمر التلمساني فيها قدر من الاعتساف متهمين الترابي بأنه جاء بأشياء ليست من الإسلام في رائهم حول ما أورده من حجج دامغات عن إمكانية إفادة الدعوة الإسلامية من الفنون والإبداع وتطورت على إثرها علاقتي بالترابي وحرصت في كل زيارتي للسودان في مقابلته وأسرته وكنت عند زيارته عند المفاصلة اجتهد في السعي مابين المنشية والقصر وأجريت العديد من الحوارات معه ومع الرئيس البشير, وكنت ثاني الصحافيين الذين قابلوا عمر البشير وأجروا معه حواراً مطولاً للشرق الأوسط في مطلع العام 1989 وقد سبقني إليه الأستاذ الصحفي المصري مكرم محمد أحمد بيومين فقط وآخر زيارة جمعتني به بمستشفى رويال كير قبل وفاته مع مأمون حميدة. هل بإمكان إمام العودة إلى بريطانيا مرة أخرى؟ حرصت في مجيئي هذا أن أدفع ضريبة الوطن من خلال عملي في المجال الصحفي والأدبي ولا أحسب أن هنالك من الدواعي التي تدفعني للعودة الى بريطانيا على الرغم من أن بناتي طبيبات متزوجات هناك. ماذا يحب إمام ..وماذا يكره؟ أحب الصدق والوفاء وهذا ليس بالأمر اليسير على المرء في تقلبات ظروف المكان والزمان, وأكره الكذب والخيانه وفي الصحافة أكره عدم المصداقية والموضوعية وعدم المهنية. لمن تستمع في الغناء؟ على فقه بن حزم الظاهر الأندلسي الذي جوز سماع الغناء والموسيقى أنصت ما أن توفرت لي أسباب الانصات أو المشاهدة للموسيقارمحمد وردي ومحمد الأمين وتطربني كثيراً أغنيات الراحل عثمان حسين و حمدالريح متعه الله بالصحة والعافية. ماهو أصعب موقف لاينسى مر بحياتك؟ تردد كثيراً في الإجابة وصمت للحظات ليست بالقصيرة .. وقال و الدموع تنهمر من أعينه عندما كنت أشاهد بأم عيني لحظات وفاة ابنتي العزيزة تغريد إمام بلندن يوم الجمعة 31 أكتوبر العام 2008 شهقة الموت التي لاحظتها ولا زالت تطوف بمخيلتي بين الحين والآخر كلما تذكرتها أذرف الدموع على فراق ابنتي الحبيبة تقبلها الله قبولاً طيباً حسناً.