كانت السفارة البريطانية بالخرطوم وقبل موقعها الحالي ما بين شارعي البلدية والجمهورية شرقاً... كانت تقيم في عمارة ابو العلاء الجديده في تقاطع الجمهورية مع شارع القصر الجمهوري... الطابق الرابع.... هذه العمارة التي كانت تضم عدداً من المؤسسات والمحال التجارية ولا تزال ... منها شركة شل ( البترول) من أعرق الشركات البريطانية التي كانوا يغنو لها ... شل .. شل ...شل ... كب لي بنزين ... ما بكبو ليك ... هديك الطلمبه... ما بعيده عليك ...وقد رحلت الآن .. تنافسها شركة موبيل أويل الفرنسية ذات الشعار الجميل في منافستها ضد شركة شل الذي يقول (نتقدم مع تقدم السودان) القارئ العزيز: بينما العالم مشغول بحوادث اقتتال البيض ضد السود في امريكا... وسحل الفرنسيين في مدينة نيس... وانقلاب تركيا ...ومجزرة قطار المانيا وميونخ، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي... تلك الصدمة المدوية التي تلقاها... من أصحاب الخبرات الطويلة الذين يرغبون بالاحتفاظ بالاستقلالية التامة وصيانة دستورهم الملكي وتقاليدهم الكلاسيكية .... أنه الصراع بين الشريحتين في المجتمع الانجليزي وهما شريحة كبار السن ومحترفي السياسة.. وفوران الشباب... ومع أنني زرت لندن مرات عديدة طوال عمري المهني..إلا أن هذا لم يؤثر على إعجابي المتجدد دائماً بهذه المدينة العريقة، والذي يرتبط بتقدير شديد للشخصية الانجليزية بالذات... حيث أنني مازلت اتذكر ويتذكر معي الكثيرون من أبناء جيلنا أنه كان في أم درمان مكتبة اسمها ال British Councial ( البرتش كاونسل) مكتبة بريطانية عامة... بجانب مكتبة أم درمان المركزية الشهيرة في ذلك الموقع المميز حتى الآن بجوار محلية أم درمان، وهو ملك لآل البشير الريح، وصارت بعد رحيل المجلس البريطاني مكتبة البشير الريح العامة، التي صارت تقام وتقدم فيها الندوات الثقافية... أمسية كل أربعاء .. كان يشرف عليها شيخ الصحافيين... وأستاذنا الحبيب وأستاذ الجميع توفيق صالح جاديس...آخر منصب شغله (رئيس قسم الأخبار بصحيفة الصحافة ) توقفت تلك المكتبة وتعثرت بعد رحيل توفيق صالح ... في تلك المكتبة أيام المجلس الثقافي البريطاني اطلعت على كتاب لفت نظري عن سر تقدم الانجليز، ترجمه أحمد زغلول والحقيقة أنني كل ما زرت تلك المدينة اتذكر ذلك الكتاب من خلال ملاحظة الطريقة التي يتعامل بها ذلك الشعب المنضبط في حياته وفي كل شيء.. تشاهد ذلك وأنت تتجول في أنحاء لندن والي التكامل في أحيائها ومعالمها العريقة، والتي يكاد كل نبضها يحكي تاريخ رونقها ومكانتها بالرغم من الازدهار الذي تشهده العديد من العواصم والمدن الكبرى في القارات الخمس... ولذلك فإن العديد من ملامحها ومظاهر حياتها الخصبة يستحق التسجيل والفهم والتعلم بلا عقد أو حساسيات... بالرغم من طول الفترة إلا أنني لم أنسَ ذلك الموقف الذي جمعني بأحد الشباب في تلك الأيام عندها كانت العلاقات السودانية البريطانية سيئة كالعادة، والمواطنون هنا يدفعون الثمن ويعانون بشدة من تطبيق قرارات السفارة البريطانية على المسافرين لها... والرفض بدون أسباب أو اي من المبررات وحسب الأمزجة في أحيانٍ كثيرة ...انت وحظك تقف في الانترفيو أمام قنصل متزمت أو مفتري أو عنصري وغيره .... وكان في أحيانٍ كثيرة هناك القناصل كبار السن الذين لا يزالون يعتدون بامبراطوريتهم التي لا تغيب عنها الشمس... أنهم الفئة التي ضربت الاتحاد الاوربي في مقتل. قابلني شاب جاء يستشيرني من خلال مهنتي.. وتجربتي التي تكاد تكون متواصلة في التعامل مع السفارة البريطانية... قائلاً لي حاولت المستحيل في الحصول عل تأشيرة الدخول لبريطانيا، ولكن طلبي رفض عدة مرات وختم لي الجواز بالرفض.. فماذا أفعل... وبما أنني أعرف أن ذلك الشاب يجيد اللغة الانجليزية إجادة تامة قلت له... في هذه الأيام يوجد قنصل من كبار السن ممن يعتدون ببريطانيا العظمي واستقلاليتها وتقاليدهم الكلاسيكية، ويطربون في العزف على ذلك... ويعتبرون أنهم أسياد العالم وأوربا ....أذهب الى الانترفيو القادم وأعزف على ما ذكرت لك حتى، وإن لم يسألك في ذلك ... فعلاً عمل ذلك الشاب بالنصيحة فما أن وقف في الكاونتر أمام ذات القنصل كبير السن، وكان محظوظاً جداً ... إن فاجأه القنصل بسؤال حاد .... لماذا كل هذا الإصرار على السفر لبريطانيا... فرد عليه الشاب... لأشاهد بريطانيا العظمى... لأشاهد الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس... ولدي الامكانات لذلك... وكانت النتيجة أن هز القنصل رأسه بالإعجاب (نفخو) وقال له Visa will Be Rady AT 130p.m التأشيرة جاهزة عند 30/1 ظهر اليوم... وغاب ذلك الشاب عثمان عبدالله وانقطع منذ تلك السنوات ولعله لايزال يقيم في عاصمة الضباب.. هذه هي بريطانيا وهولاء هم العواجيز الذين كانت لهم الكفة المرجحة في توجيه الصدمة المدوية للاتحاد الاوربي ... تداعى كل ذلك وجالت بخاطري تلك الأحداث وأنا أتحرك حاملاً شنطة ضخمة من درة الثورات الحارة الخامسة بأم درمان متوجهاً بها وقاصداً بها منزلاً عريقاً، أهله من كرام القوم بحي الأملاك بالخرطوم بحري ليقوموا بدورهم بتوصيلها في محطتها الأولى بمدينة الرياض (السعودية) ومن ثم تتوجه الشنطة مع أسرة العروس الى محطتها الأخيرة ...الى لندن عاصمة الضباب وبداخلها مستلزمات عرس سوداني كبير لكريمتهم النابغة السودانية حفيدة آل أحمد الزبير وآل صالح بشاشة الدكتورة أمنية ابنة الدكتور الزبير أحمد الزبير والدكتورة نور العين صالح بشاشه ... أمنية التي كانت أمنية والتي تخرجت في العام الماضي في اوائل الدفع بكلية الطب بجامعة اكسفورد، وعينت أستاذة بنفس الكلية، ومر حفل تخريجها بكل هذا التفوق بهدوء شديد... وكان حفل زواجها على زميلها طبيب سوداني اسمه الفاتح من أسرة سودانية عريقة، كان زواجاً سودانياً خالصاً، شارك فيه معظم أبناء البلد المقيمين في قلب العالم النابض... وكم كان أسفنا الشديد على عدم المشاركة ... إلا أننا شاركناهم الفرحة على البعد عبر وسائل الاتصالات الحديثة ... وشاركتهم أنا بتوصيل الشنطة الى محطتها الأولى ... تهانينا الغالية من أرض الوطن العزيز للدكتورة أمنية وللدكتور الفاتح ... ولعلهم في تلك اللحظة السعيدة.. لسان حالهم يردد... بلادي وإن شغلت بالخلد عنها ... نازعتني اليها في الخلد نفسي...،،، ت/0912304336