٭ في تلك الأجواء المشحونة بالصراعات الخفية وعمليات الضرب تحت الحزام من الداخل والخارج أيضاً، بدأ يتبلور حلم مسلمي ميونيخ في بناء مسجد لهم، بتشجيع واضح من قبل وزارة شؤون اللاجئين الألمانية، التي بدأت تشعر بالقلق جراء استخدام الأمريكان لهؤلاء اللاجئين لأجندتهم الخاصة المتصلة بالصراع مع الإتحاد السوڤيتي، الذي احتل موقع النازية بعد أن وضعت الحرب الثانية أوزارها.. فقد أصبحت الشيوعية في نظر واشنطن، والغرب عموماً، خطراً لا يقل سوءاً من خطر النازية المندحرة. ٭ في السادس من أغسطس 1956 تلقى فون منده مذكرة من تيودور أوبرليندر وزير شؤون اللاجئين في حكومة كونارد اديناور.. مذكرة ترسم ملامح هدف قومي ذي أهمية بالغة، يستلزم النهوض به المساعدة من مصدر بدا مستبعداً.. هو (مسلمو ميونيخ).. وأوبرليندر هذا هو الشخص ذاته الذي اشترك في الانقلاب الفاشل في ميونيخ، والذي اعتقل بموجبه أدولف هتلر لعدة شهور كتب خلالها كتابه الوحيد (كفاحي).. فأوبرليندر (وطني نازي) بامتياز.. قال أوبرليندر في مذكرته: إن ألمانيا الغربية كانت تؤوي آلاف اللاجئين.. إلا أن كثيراً منهم تم تجنيدهم من كيانات استخباراتية أجنبية، مثل امكومليب- اللجنة الأمريكية للتحرير- مضيفاً أنه لن يسمح لهذا النهج أن يستمر، لأن المانيا الغربية بحاجة الى اولئك المسلمين، فعن قريب ستهوى معاقل الشيوعية ليعود هؤلاء الى أوطانهم الأم زعماء وقادة.. وعندها سيكون لهم دور في تحقيق الهدف الأسمى للسياسة الخارجية الألمانية: توحيد الألمانيتين- الشرقية والغربية- واستعادة مساحات شاسعة من أراضٍ ألمانية استولى عليها كل من الاتحاد السوڤيتي وبولندا في أعقاب الحرب العالمية الثانية.. وأن أهداف اللاجئين السياسية لتتشابك وتأتلف وفق علاقة ارتباطية بالجهود الألمانية الرامية لتحقيق وحدة الألمانيتين والغاء مقررات (اتفاقية بوتسدام) التي جعلت حدود نهري الأودر والنايسا حدوداً شرقية لألمانيا، خصماً على حدودها وأراضيها التاريخية كما ترى. ٭ كان حصان الرهان الجديد لفون منده، هو صديقه القديم نور الدين نمنقاني التركستاني والمعتقل السابق لدى السوڤيت لإتهامه بالخيانة.. حرره الجيش الألماني بعد أن شن هجوماً على معسكره إثر الغزو الألماني لروسيا.. وبعد أربعة أشهر أضحى نمنقاني إماماً للكتيبة (450) مشاة، والتي كان قوامها الرئيسي من اللاجئين المسلمين، ثم أصبح من بعد إماماً لسلاح الشرق التركستاني التابع لأسراب الدفاع النازية.. وبالاتفاق مع فون منده حددت وزارة شؤون اللاجئين الألمانية الدور الذي سيطلع به نمنقاني، حيث خُول أولاً بتجميع مسلمي ألمانيا وهم (أجانب بلا وطن) الذين يرأس مكتبهم فون منده.. وتشكيل رابطة دينية تنظمهم، وذلك من أجل القضاء على أي تأثير أمريكي غير مرغوب فيه.. وتلك كانت الخطوة العملية باتجاه إنشاء مسجد ميونيخ.. فقد أرتأت الوزارة الألمانية أن تضفي على منقماتي قبولاً وجاذبية شعبية، عبر موضع يمارس فيه (مسلو ميونيخ) شعائرهم الدينية.. فالهدف إذن من إنشاء المسجد كان في المقام الأول سياسياً وليس تعبدياً، وفي هذا حصل نمنقاني-الإمام المسيس بامتياز- على دعم ومؤازرة ضابط ألماني سابق اعتنق الإسلام هو (هنتر ساتز) وغيّر اسمه ل (هارون الرشيد(.. ومع نهاية العام 1958 كانت الاستعدادات والترتيبات قد اكتملت، فدعا نمنقاني إدارته الدينية الوليدة إلى اجتماع كان هدفه إنشاء مسجد ميونيخ. يتبع...