❊ قطعنا قصة التوقيع على »خارطة الطريق« مجبرين عن مواصلة الإضاءة على الكتاب المهم ل(إين جونسون :(مسجد في ميونيخ.. النازيون ووكالة الاستخبارات الأمريكية .. وبزوغ نجم الإخوان المسلمين في الغرب).. فالكتاب الذي هو عبارة عن تحقيق استقصائي.. قطع المؤلف من أجله آلاف الأميال بين البلدان والقارات، والتقى الشهود الأحياء الذين عاشوا فترة الحرب الباردة .. ولعبوا أدواراً مهمة في الصراعات السياسية والاستخباراتية التي شهدتها تلك الفترة التالية للحرب العالمية الثانية.. كتاب يحتشد بمعلومات غزيرة وكثيفة.. الأمر الذي يجعل اختصارها لعرضها مهمة عسيرة.. ولكن حسبنا الوقوف عند المحطات المهمة، خصوصاً تلك المتصلة بمعارك الكنائس بين الفرقاء على الفوز بمهمة بناء المسجد والاستحواذ على إدارته وتسخيره للأهداف والمقاصد التي يتبناها هذا الفريق أو ذاك. ❊ في الحلقة الماضية (الرابعة) عرضنا سيرة غرهارد قون منده.. ذلك الأستاذ الجامعي الذي إنخرط في السياسة منذ صعود النازي، وأصبح أحد مسؤولي ونشطاء حكومة الاقاليم الشرقية النازية )الأوستمنستريوم( التي اتخذت من العاصمة برلين مقراً لها إلى أن أنهزم النازي واحتلت برلين، ودالت دولة (الأوستمنستريوم)،ما أجبر فون منده وعائلته ورفاقه- بل واتباعه- من مسلمي الاتحاد السوڤيتي الملتحقين بالنازية يتجهون غرباً، ويبدأون جهوداً معادية للسوڤيت والشيوعية من ولاية بافاريا التي تمركزوا في عاصمتها ميونيخ، وإن كان فون منده وعائلته فضلوا الإقامة في مدينة دورسدوف، غير بعيد من ميونيخ مركز نشاطه الرئيسي في التجنيد والرعاية المضادة لأعدائه السوڤيت، وإحياء (الأوستمنستريوم) برغم هزيمة الرايخ الثالث. ❊ لكن جهود فون منده ورفاقه من نخبة المسلمين السوڤيت، لم تكن الوحيدة في الساحة، بل برزت إلى جانبها، جهوداً داعمة وأحياناً منافسة.. أهمها الجهود الأمريكية التي مثلت البذور الأولى للحرب الباردة بين العملاقين، حين عمدت إدارة آيزنهاور إلى دعم فون منده، متجاهلة أدواره النازية السابقة.. ففي بواكير عام 1953م، أصدر »إدوارد ليللي« أحد أبرز منظري (الحرب السيكوجية)- النفسية -في إدارة آيزنهاور مذكرة حملت عنوان (العامل الديني) دعت الحكومة الأمريكية لتوظيف »تفوقها الروحاني« واستخدام ورقة الدين على نحو أكثر سفوراً .. وذهب ليللي إلى القول بإن المفكرين المسلمين على مدار عقود خلت كانوا يسعون إلى تحديد كيفية »توظيف الإسلام« لإنقاذ بلادهم من براثن الاستعمار والتبعية للغرب.. وأن جماعات )كالإخوان المسلمين( قد تعهدت بتحقيق »الخلاص الوطني« بالاستمساك بالقرآن والعض عليه بالنواجذ.. لكن مذكرة ليللي لم تجد استجابة فورية، فحتى أقرب مستشاري ليللي ثاورتهم الشكوك في جدوى المحاولة وكتب أحدهم يقول:(إن مشروعاً كهذا لن يجدي كثيراً.. إذ سيتم النظر اليه على أنه محاولة مصطنعة تم اقحامها من قبل الكفار لتنظيم الشأن الاسلامي). ❊ ومع هذا، وفي إطار حمىّ الحرب الباردة، فإن وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات والوكالة الأمريكية للمعلومات، قد استُنفرت جميعاً لإتخاذ خطوات في هذا الصدد.. ولكن آنيًّ لهم هذا، في وقت بدأ الاتحاد السوڤيتي يتخذ سياسة مضادة لنهجه السابق القاضي باستئصال الدين، بتبني التسامح، واعادة فتح المساجد وتدريب الدعاة والأئمة وارسال المسلمين لأداء فريضة الحج بغرض التودد الى العالم الإسلامي، في وقت يعيش بين ظهرانيه أكثر من 30 مليون مسلم. يتبع