*كتبت في الحلقتين السابقتين من هذه "الإضاءة" عن تجربتي الشخصية مع عملية العيون الناجحة، بحمدلله، وكانت تحت عنوان "وحاة نظري" استذكاراً لقسم الأمهات والجدات في زمان مضى.. وننتقل اليوم للحديث عن الدور الطليعي والرائد ل "مؤسسة البصر الخيرية العالمية" ومشافيها وجهودها الميدانية على مستوى السودان، وفي القارتين الأفريقية والآسيوية.. دور يستحق الإشادة والتقدير وتسليط الضوء عليه باعتباره نموذجاً ومحفزاً لأعمال الخير والمسؤولية المجتمعية.. فانتقلنا بهذا من الذاتي أو الخاص إلى الموضوعي والعام، ما حدا بنا إلى تغيير العنوان كما تطالعون أعلاه. *عندما أتخذت قراري بعلاج الماء الأبيض "الكتراكت" الذي بدأ يظلل ناظريَّ سألت أكثر من هم حولي حول أفضل الخيارات، وقد ذهب البعض مذاهب شتى ووصفوا لي أكثر من مستوصف وأكثر من طبيب.. لكن الله ألهمني فتذكرت فجأة ذلك الصديق الجديد "ابن عمرتي" على وزن "ود حجتي" الأستاذ العاص أحمد كامل المدير الإقليمي لمؤسسة البصر الخيرية ومدير عام مجمع مكة للعيون، تذكرت تلك الأيام والليالي المباركات التي قضيناها معاً في رحاب أول بيت وضع للناس "للذي ببكة" وفي دار الهجرة، متمتعين معاً بالسلام على خير البشر وبالصلاة في مسجده وروضته المشرفة.. فاتجهت مباشرة إلى مكتبه الإقليمي المجاور للمستشفى فاستقبلني بحفاوة وكرم فياض.. وطلب مني قبل كل شيء أن أقف على أحوال المستشفى/المجمع، فأخذني في جوله على كل الأقسام .. بدءاً من الاستقبال ومروراً بالفحص والتصوير وإنتهاء بمقر العمليات وقاعة المحاضرات، حيث عرفني العاملون من أطباء وفنيين بدور كل منهم ومهام الأجهزة التي يشرفون على تشغيلها.. وهي كما علمت من أحدث ما أنتجته الصناعات في طبابة العيون، وكان لافتاً طيب الاستقبال من هؤلاء الأطباء والفنيين، لي ولغيري من الأعداد الغفيرة من مرضى العيون الذين لم تؤثر كثافة وجودهم على نظافة المستشفى، ولا على حسن التنظيم، فالمستشفى مؤهل لاستقبال المئات إن لم يكن الآلاف دون أي ارتباك أو اختلال.. فقد هيأت له إداراته التي يقف على رأسها الأستاذ العاص أن يكون قدر المقام وأن يستجيب ويعمل تحت أشد ظروف الضغط المتوقعة. * أبدى الأستاذ العاص – بحفاوة وكرم فياض- استعدادهم لعلاجي بالمجان باعتبارهم "منظمة خيرية" في الأساس ..لكن من جانبي كنت أحمل بطاقة تأمين صحي تغطي نفقات العملية، فشكرته انطلاقاً من أن ما أدفعه هو بمثابة مساهمة من جانبي في الأعمال النبيلة والكثيرة التي تقوم بها المستشفى، وأنه يساهم ولو بقطرة في بحر الخير الزاخر المندلق من قبل مؤسسة البصر، ويأخذ بيد الآلاف من المحتاجين. * وكما حكى لي الأستاذ العاص حول تجربته مع مستشفى مكة ومؤسسة البصر الخيرية، وكما طالعت في دورية البصر التي تصدر عن المؤسسة..إنه في حقبة التسعينات بدأوا بمخيمين أحدهما بمستشفى الخرطوم التعليمي والثاني بمنطقة كدباس، وكان الظن أن الأمر سيسير على هذا النحو، لكن العاص أقدم على خطوة عملية حيث توكل على الله واشترى قطعة أرض، هي التي يقوم عليها المجمع حالياً في الرياض، دفع جزءًا من المبلغ، وتلقى دعماً من المؤسسة، فأكمل قيمة الأرض وشرع في تأسيس المستشفى بكل مستلزماتها الضرورية.. وكانت ضربة البداية التي لازمها التوفيق. *ومع مرور الوقت أخذت المستشفى في التوسع والتطور حيث تم في البداية الأستعانة بأطباء عيون وكوادر فنية تم استقدامها من باكستان وبلدان آسيوية أخرى، كانت قد سبقت المؤسسة في إنشاء وتأسيس أنشطتها الخيرية فيها، لكن مع مرور الأيام والسنين ترسخت التجربة السودانية لتحوز قصب السبق وتتفوق على ما سواها. فبحسب د. عادل الرشود الأمين العام للمؤسسة، وفي حديث له نشرته دورية (البصر) المتخصصة، قيم الرشود التجربة السودانية بأنها أنجح تجارب مؤسسته على مدى 27 عاماً ..ويقول د. الرشود- وهو طبيب عيون أيضاً- إن قطاع السودان يعد من أكثر القطاعات الطبية نجاحاً في توطين العلاج في طب العيون، وذلك لجدية وإخلاص العاملين وقيادتهم.. و"توطين العلاج" عنده يعني تأصيل مفهوم التخصصات الدقيقة، والتأكيد على مفهوم التعليم المستمر ورفع كفاءة العاملين، وأضاف: لقد زرت مستشفى مكةبالخرطوم وأم درمان، وتأكد لي أن الأجهزة الموجودة فيهما لا تقل جودة عن أي مستشفى موجود في العالم. يتبع..