التهاب حاد أصابني الاسبوع الماضي وألزمني المنزل، ومنعني الحركة الكثيرة والاختلاط المباشر مع الناس، ولما أشتد علي لزمت ركناً قصياً بعد أن اخترت بكامل قواي العقلية أن لا اتعرض لطبيب يضاعف معاناتي بأي تشخيص خاطئ أو علاج غير موفق، واتجهت من فوري لصيدليتي العشبية واستخرجت شيئاً من (القرض) ثم تبخرت به حتى جرى دمعي بالمايق، ثم أخذت شيئاً من المر الحجازي وبللته بالماء حتى ذاب فيه ثم مسحت به الحلق والصدغين، فكان له أثر إيجابي في تخليص الحلق مما اعتراه من آثار الالتهاب، ثم عندما أتى الليل وأصبحت في معية النجم والمساء وضمتني الحمى بحنية غير محببة طلبت سحن القرض ومزجه بشيء من الملح وزيت السمسم ومسحت الصدر بذلك الخليط السحري، فأذهب الله عني الالتهاب بعونه وقدرته. هكذا علمنا أبي عليه رحمة الله، وهكذا كان أهل السودان يتداوون من أمراضهم عندما كان المعالج إما حكيماً أو تمرجي، ولم نكن نعرف من العلاجات إلا البنسلين أو حبوب السلفا، وكانت أغلب الأدوية متوفرة ومازالت في أعشاب بلادنا الطبية، التي يتكالب العالم عليها فيما يحاربها بعضنا ويناصبونها العداء من غير سبب وجيه، إلا أنها تمنع الناس هدر أموالهم. إن فاتورة العلاج بالأدوية غير الطبيعية مكلفة للغاية، ولها آثار جانبية، ولأن شركات الأدوية لابد لها من توفير أسواق لمنتجاتها، فهي في شراكة استراتيجية مع الأطباء وبينهم مصالح ومنافع لا تنقضى أبداً، لذا (يكجنون) العلاج العشبي، العالم كله يتجه نحو النباتات الطبية فيما يسمى بالطب البديل، بعد أن أدرك مخاطر الأدوية المصنعة كيميائياً، وهنا لابد من ذكر ملاحظة مهمة، وهي أن العلاج بالأعشاب ليس نزهة، بل يتطلب دراية ومعرفة بالخصائص والمقادير والمحاذير لتفادي بعض الآثار الجانبية، وهو أمر انتبهت له المجتمعات، ووصلت للنجاح فيه عبر التجريب، لذا فالوصفات إذا جاءت من ذوي خبرة فإنها بعون الله ناجعة (والكمدة بالرمدة)، وتصحو كأنك نشطت من عُقال عزيزي المواطن: ( لكل داء دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله) فسألوا أهل الاختصاص.. والعاقل طبيب نفسه.