سماه الشريف حسين الهندي (الشهيد الحي)، وقال فيه الشريف زين العابدين مقولة مشهورة (والله لو كان هذا النيل وشاحاً لألبسناك إياه يا أيها الشهيد الحي)، رجل يعرفه كل عمال السكة الحديد في العهد الزاهر، الرجل من أكثر الذين اعتقلوا في عهد النميري حتى أنه اختار أن يوثق لتلك الفترة فأطلق على ابنتيه اسمي (مجاهدة ومناضلة).. وله علاقات قوية بقادة كبار بيد أنه اختار أن يكون راهباً في مزرعته بمشروع الأمن الغذاني (عطبرة).. ربما لأنه اعتاد على حركة العمال وأبواق القطارات وضجيج الورش.. واختار أن يبقى أسير الذكريات العطرة. رئيس نقابة السكة الحديد علي عبدالله السيمت يفتح خزانة أسراره ويبث آلامه ل(آخر لحظة) فإلى مضابط الحوار: حوار: معاوية عبدالرازق *السكة الحديد لها بريق خاص؟ -السكة الحديد مرتبطة بالرأي العام، باعتبار أن أي عطل بها يؤثر على كافة مؤسسات الدولة التي تعتمد عليها في النقل والحركة، فهي تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني في زمانها، بجانب مشروع الجزيرة قبل مجيء الأنظمة الشمولية بجميع مسمياتها. *وصفت في واحدة من لقاءاتك السابقة الحركة النقابية بأنها أصبحت بوقاً من أبواق الحكومة؟ -نعم لأن الحركة النقابية تستمد قوتها من القياديين النقابيين بالمؤسسات الفاعلة المرتبطة بهموم المواطن وحياته اليومية، وهناك فرق كبير بين النقابات سابقاً وحالياً، وأعزي تدهورها إلى تدهور المؤسسات التي تكون مصدراً للقوة النقابية. *لماذا التضييق على النقابات في اعتقادك؟ -تتعمد الأنظمة غير الديمقراطية تحطيم المؤسسات وتنكيلها، لما تشكله النقابات من خطر على الأنظمة العسكرية، واعتمادها على التدرج بدلاً عن التعيين الذي أضر بالمؤسسات النقابية اليوم، لذلك أول ما تقوم به الأنظمة الديكتاتورية إزالة القوانين وتقييد الحريات واستبدالها بأخرى حتى تتمكن وتفعل ما تشاء. *وما موقف النقابات مما جرى؟ -عملت على مناهضة القرارات الجائرة. *ما نوع المناهضة والعمال يتعرضون للفصل بقرارات تعسفية؟ -نعم تعرض (4500) عامل للتشريد والطرد بجرة قلم من حاكم إقليمي وليس قومياً، استمد قوته من النظام. *لماذا صمت النقابيون ورضوا بما حدث؟ -الإنقاذ قدمت إغراءات لمن لم يكن لديه صوت، فأصبحوا جزءاً من الوضع السياسي، والذي بسببه ضاع ما يعرف بالنقابات عقب القضاء على المؤسسات المؤثرة مثل (النقل النهري والخطوط الجوية والسكة الحديد). *لماذا تم اعتقالك في العام 1985م؟ -تم اعتقالي ومعي (5) من القيادات، وعلمت لاحقاً أن الهدف من اعتقالنا لحياكة مؤامرة، وبالفعل تم فصل هذا الكم الهائل الذي ذكر بحجة الإضراب، ومكثنا سنتين بسجن كوبر، والهدف من ذلك التخلص من العمال وتشريد النقابيين، وتم حظري عقب خروجي من السجن من العودة لعطبرة والبقاء تحت الإقامة الجبرية بالخرطوم مع التمام اليومي بمكاتب الأمن. *البعض يصف عهدك نقطة سوداء في تاريخ عمال السكة الحديد؟ -بالعكس خصمت من النظام الذي طرد العمال، صحيح أن العمال كانوا يعانون ولكن على الرغم من ذلك كانوا راضين كل الرضا، وبالطبع هو شرف لي وليس نقطة سوداء. *هل تعرضتم لأي نوع من التعذيب في السجن؟ -الفصل والبعد عن الأهل والمعارف يمثل تعذيباً في حد ذاته، ولكننا لم نتعرض لتعذيب جسدي. *تقييمك للنقابات اليوم؟ -هناك تعيين وإن وجد انتخاب فهو صوري فقط كما حدث في نقابة السكة الحديد، وعادة ما كان يأتي الرئيس من القوى العاملة، ولن تتعافى النقابات ما لم تبتعد عن العمل السياسي في النظامين الشمولي والديمقراطي، وعليها الارتباط فقط بالقومية. *هناك اتهام بأن النقابات توافق على الفصل والتشريد إرضاءً للحكومة؟ -النقابات أصبحت لا تستطيع الدفاع عن منسوبيها، لأنها مسيرة ولا تتم استشارتها، وجميع قراراتها أمليت عليها. *ماذا عن اتحاد العمال؟ -لم يكن لديه دور ورضخ لقرار حاكم إقليمي بتشريد نقابة السكة الحديد رغم قومية الاتحاد. *كأنما تريد أن تقول إنها كانت مستهدفة؟ -نعم فمنهم من كان سائقاً لقطار أصبح سائقاً لعربة كارو، بجانب طرد المهندسين ذوي الكفاءات. *نعرج قليلاً على السياسة باعتبارك من الذين عاصروا أحداث الجزيرة أبا؟ -في اعتقادي أنها حركة وطنية مناهضة للأنظمة الشمولية في عهد نميري، وقتلوا فيها الأبرياء بمشاركة الطيران المصري، والهدف منها الحفاظ على بقاء النظام. *وفيما يتعلق بالمصالحة الوطنية؟ -تخلف عنها الهندي ورفضها لقناعته بأن النظام لم يأتِ عن طريق إرادة الشعب، مما اضطره لقيادة المعارضة منفرداً، وقبل بها بعض الإسلاميين والأنصار حتى أنه أنشد قائلاً: لما أذاعوا عفوهم وتخير المنفين بعدي هرعوا إليك ضعافهم وبقيت مثل السيف وحدي *حدثنا عن انتفاضة (1977م )؟ -جاءت قوة الاتحاديين والأنصار بانتفاضة مسلحة بقيادة محمد نور سعد بدعم من الجبهة الوطنية، ولو كان السودان محظوظاً وأريد له خيراً لنجحت الانتفاضة لأنها تمثل الكيانات الوطنية والسياسية، وكانت كفيلة بإرضاء الشعب بكل فئاته ومكوناته. *كيف استطاع نميري استرداد السلطة في أقل من ثلاثة أيام؟ -انقلاب هاشم العطا لا يعد انقلاباً باعتباره جزءاً من النظام المايوي ولا تعدو أن تكون خلافات داخلية بين المايويين. *المقولة الشهيرة وهاشم العطا صحح الخطأ؟ -خلافات داخلية تعني النظام المايوي ولا علم لي بها. *ما رأيك في قوانين سبتمبر؟ -لا تساوي الحبر الذي كتبت به، فكنت ولا زلت أراها تعبر عن رأي فئة محددة وهي جماعة الإسلام السياسي وتخدم توجهاتهم أكثر من أنها قوانين شريعة إسلامية، وللغرابة أن من وضعوها هم أنفسهم من أقدموا على إلغائها وفقاً للمادة الثانية للقانون الجنائي لسنة 1991 والتي تتحدث عن أنه يتم إلغاء قانون العقوبات لسنة 1983 وهي نفسها قوانين سبمتبر. *ألا ترى أن هناك تناقضاً بين الاشتراكية والشريعة؟ -لم ندخل تجربة إسلامية حقيقية ولا اشتراكية كذلك لنقارن بينهما، فقط أستطيع أن أقول إن التجربة الإسلامية مشوهة والشيوعية سيئة. *قصة الفلاشا من أبرز الأحداث في العهد المايوي؟ -لا يوجد فلاشا والنظام يبتدع ما يريد مثل الطائرات التي ضربت الإذاعة، وبعض الأنظمة تخلق إشاعات من قضايا انصرافية ليطول بقاؤها. *خلاف النميري والفنان وردي؟ -حتى الشعراء تغنوا لإرضاء الأنظمة ونتمنى أن يكون الفن مرتبطاً بالأخلاق والقيم بعيداً عن شكر الأفراد وإساءات الآخرين، حتى نستطيع أن نحافظ على موروثاتنا من أجل الوطن. *هل تتوقع أن يتوحد المايويون والعودة مجدداً للساحة السياسية؟ -لا علم لي بحالهم. *والبلاد تعيش هذه الأيام نفحات الحوار الوطني، كيف تقيِّم مخرجات الحوار؟ -للأسف غابت عن توصيات الحوار أهم قضية وهي قضية المفصولين من السكة الحديد، وكنت أتوقع أن تناقش قضية أكثر من (4000) سوداني تم فصلهم تعسفياً في بداية الإنقاذ، آن الأوان أن ترد الحقوق لأهلها، وعبركم أطالب رئيس الجمهورية أن يصدر قراراً رئاسياً بشأن المفصولين رغم أن منهم من توفاه الله، لكن بعضهم لا زال على قيد الحياة وينتظر رد مظلمته.