وعقارب الساعة تتجه في بطء إلى المنتصف إيذاناً في الدخول إلى يوم جديد، رن هاتفي الجوال بعد وصول رسالة إلى بريده، لم أشك أبداً أنها رسالة للتهنئة بمناسبة ذكرى مولد الحبيب صلوات الله وسلامه عليه، ولكني تفاجأت عندما وجدتها تقول: (من قال عيد الحب فقط للعشاق، إنه عيدنا نحن الأصدقاء)، على الفور عادت بي الذاكرة إلى ساعات النهار ومنظر الشارع الذي إكتسى على غير العادة باللون الأحمر، وتذكرت إنه عيد الحب!! وقبل أن نتحدث عن عيد الحب أو (الفلانتاين) دعونا نتساءل: هل يعرف هؤلاء المحتفلون قصة عيد الحب، وهل يعلمون أن ما يقومون به هو مجرد تقليد أعمى يتنافى مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، ومن بعده مع عاداتنا وتقاليدنا، وهل يعلمون أن الحب أكبر من أن يلتقي الحبيبان في لقاء (غير شرعي) بإحدى الحدائق أو (الكافتريات)، وأكبر من وردة حمراء، وهل تعلم الفتيات (المسكينات) أنه ليس من عاقل يرتضي لزوجة مستقبله أن ترتدي الأحمر وتخرج معه أينما شاءت الظروف وسمحت، وأن من يسمح بذلك هو (ديوث) لن يستطيع حمايتها إن أصبح زوجاً لها، وهل يعلمون أن أهل هذا العيد لا يحتفلون به كما نحتفل نحن، بهذا الشكل السافر، فهم يتبادلون البطاقات والهدايا التي تعبر عن الحب، وليس مقابلة بنات الناس سراً وخداعهن باسم الحب، تحت سمع وبصر الشارع العام، كما نرى من مشاهد (شاذة)، مثل شذوذنا في التقليد. عموماً حتى لا نظهر بمظهر الوعاظ، نقدم لمن ارتدوا الأحمر و(قطعوا نجيلة) حدائق الخرطوم، نهديهم قصة الفلانتاين (عيد الحب) كاملة، عسى ولعل. هذا العيد يعتبر من أعياد الرومان الوثنيين، إذ كانت الوثنية سائدة عند الرومان قبل ما يزيد على سبعة عشر قرناً، وهو تعبير في المفهوم الوثني الروماني عن الحب الإلهي، ولهذا العيد الوثني أساطير استمرت عند الرومان، وعند ورثتهم من النصارى. جاء في الموسوعات عن هذا اليوم أن الرومان كانوا يحتفلون بعيد يدعى (لوبركيليا) في 15 فبراير من كل عام، وفيه عادات وطقوس وثنية؛ حيث كانوا يقدمون القرابين لآلهتهم المزعومة، كي تحمي مراعيهم من الذئاب، وكان هذا اليوم يوافق عندهم عطلة الربيع؛ حيث كان حسابهم للشهور يختلف عن الحساب الموجود حالياً، ولكن حدث ما غير هذا اليوم ليصبح عندهم 14 فبراير في روما في القرن الثالث الميلادي. وفي تلك الآونة كان الدين النصراني في بداية نشأته، حينها كان يحكم الإمبراطورية الرومانية الإمبراطور كلايديس الثاني، الذي حرم الزواج على الجنود حتى لا يشغلهم عن خوض الحروب، لكن القديس (فلانتاين) تصدى لهذا الحكم، وكان يتم عقود الزواج سراً، ولكن سرعان ما افتضح أمره وحكم عليه بالإعدام، وفي سجنه وقع في حب ابنة السجان، وكان هذا سراً حيث يحرم على القساوسة والرهبان في شريعة النصارى الزواج وتكوين العلاقات العاطفية، وإنما شفع له لدى النصارى ثباته على النصرانية، حيث عرض عليه الإمبراطور أن يعفو عنه على أن يترك النصرانية ليعبد آلهة الرومان، ويكون لديه من المقربين ويجعله صهراً له، إلا أن (فلانتاين) رفض هذا العرض وآثر النصرانية، فنفذ فيه حكم الإعدام يوم 14 فبراير عام 270 ميلادي ليلة 15 فبراير عيد (لوبركيليا)، ومن يومها أطلق عليه لقب (قديس). وبعد سنين عندما انتشرت النصرانية في أوربا وأصبح لها السيادة تغيرت عطلة الربيع، وأصبح العيد في 14 فبراير اسمه عيد القديس (فلانتاين) إحياء لذكراه؛ لأنه فدى النصرانية بروحه وقام برعاية المحبين، وأصبح من طقوس ذلك اليوم تبادل الورود الحمراء وبطاقات بها صور (كيوبيد) الممثل بطفل له جناحان يحمل قوساً ونشاباً، وهو إله الحب لدى الرومان كانوا يعبدونه من دون الله!! وقد جاءت روايات مختلفة عن هذا اليوم وذاك الرجل، ولكنها كلها تدور حول هذه المعاني.
