حياتي في مجملها محطات تبدو (منفصلة).. أشبه بكرة ثلجية تتدحرج ببطء لتسرق أعمارنا في وضح النهار.. أو تسرع أحياناً كأنما تقاوم أشعة الشمس التي قد تعلن نهايتها.. غربة وعودة.. بوح وصمت.. تواصل وانقطاع.. تفاؤل وتشاؤم.. نقائض كثيرة تتلبسنا نحن البشر.. طقوس مدهشة نتقمصها أو تتقمصنا.. لذا ليس لدي اجابة قاطعة عن لماذا مثلاً أعاود الكتابة اليومية مجدداً بعد أن انقطعت بسبب (غربتي الثانية) لعام وبضعة أشهر في سلطنة عمان العائد منها مؤخراً والتي سبق وإن مكثت فيها لأكثر من ثلاثة عشر عاماً.. ولا إجابة عندي لمن ظلوا يلاحقونني بسؤال:( الجابك شنو؟!..أوع تكون رجعت نهائي؟!).. يا الهي الى هذا الحد أصبح الوطن طارداً و لا يستحق العودة اليه ؟! كما لا أعرف لماذا التحقت بعد عودتي هذه بصحيفة (آخر لحظة) كأحد كتابها بدلاً عن مواصلة مشواري مع (الوطن) التي كنت مديراً لتحريرها لأعوام خلت.. فقط يمكن القول إن محطة جديدة تبدأ الآن.. لا أزعم أنني اخترتها إذ لربما هي التي اختارتني.. فثمة قسط وافر من الأقدار ظل يسوقنا أحايين كثيرة.. غير أني لا أخفي (حزني) على طي صفحة (الوطن) التي ستظل مستودعاً لذكريات لا تنضب.. و(سعادتي) بانضمامي الى (آخر لحظه) التي كنت أراها دائماً أنيقة بين مثيلاتها وملبية لبعض من (حلم التغير) لواقع صحافتنا السودانية الذي نأمل له أن يتطور ويتقدم ويزدهر ضمن ظروف مواتية توفر سقفاً عالياً من الحرية والمهنية والموضوعية، وإمعاناً في عنونة كل مرحلة بما تستحق وتكريساً لمناخات نفسية محفزة لعطاء يواكب حاجتنا الدائمة للتعبير عن أنفسنا بشكل أفضل.. فقد فضلت أن أغير عنوان زاويتي اليومية من(سكت دهراً) الذي ظللت أكتب من خلاله لسنوات طويلة الى (آخر لقطة) تماهياً وتناغماً مع اسم صحيفة (آخر لحظة) متعشماً أن يكون ما أكتبه أكثر واقعية واصطياداً آخر الأخبار والأحداث التي تستحق الكتابة حولها والتعليق عليها.. حيث اكتشفت أن الواقع في عالمنا الآن يفوق الخيال بامتياز، ويتجاوز حتى صفحة (فانتازيا) التي كنت أكتبها أسبوعياً دون أن اتخلى عن هذا المشروع الذي لو عدت لكتابته سأراهن مجدداً على خيال من نوع آخر بدلاً من أن يستنطق (الجماد) من حولنا يستأنس بصمت البشر ممن يذهلهم الواقع وتدهشهم الحياة، ورغم ذلك يواصلون الفرجة المجانية وربما الغرق، ولأني أدرك تماماً بأن ملاحقة الأخبار والأحداث أمر بات مستحيلاً في ظل تسارع وتيرة العالم وايقاع الحياة والتدفق (البركاني) المهول للفضائيات على مدار اليوم وقدرتها في الابقاء على (الفرن الإعلامي) ساخناً وطازجاً أكثر من الصحف التي ينتهي مفعول صلاحيتها الإخباري مع موعد طباعتها.. فقد استسلمت لفكرة أن تكون زاوية. (آخر لقطة) هي تلك (الصورة) التي تبقى في مخيلتنا دون سواها.. وتلك (الحادثة) الخبرية التي تفرض علينا هيمنتها وسطوتها بحيث لا نملك إلاّ أن نعتبرها هي (اللحظة الأخيرة) بالفعل. (آخر لقطة) ستبتدع عرفاً ربما يكون جديداً.. أو على الأقل ليس منتشراً في أعمدة الصحف اليومية بأن يتم وضع (لقطة نابضة) عن الموضوع الذي يتم تناوله سواء كانت لقطة حقيقية أو افتراضية.. وفي الحالتين ستسهم في التركيز المتعمق على مادة الزاوية اليومية.. فقد آن الآوان لنعترف بأن لغة (الصورة) هي الأكثر قدرة على التعبير.. وهي التي تمتلك كل ناصية القول حين نعجز عن الكلام المباح.. علاوة على بعدها التفاعلي من حيث اشراك القارئ في صنع وكتابة المحتوى الذي يتبناه (العمود الصحفي) ومنعاً للاسهاب المخل.. اختصر لأقول إن (آخر لقطة) والتزاماً لشكل الزاوية ومحتواها فقد تم تصدير نسختها الأولى بلقطة ل(آخر لحظة).. فهي اللقطة التي تستحوذ الآن على مضمون ما كتبناه.. فلها التحية والتقدير، وهي ترحب بهذه العودة التي أتمنى أن تكون بحجم الثقة التي نأمل أن تتعزز بيننا وأن يمتد التواصل.. ما وراء اللقطة:- من يروي وردة الروح ويسقي زهرة الأمل؟! بدأت أعرف لماذا أحببتك قبل أن التقيك!!