«بَري يا يمه الحكومة ما بندورها» قالتها الحاجة هدية الزين عندما علمت وهي في الحصاحيصا بوقوع «انقلاب» في الخرطوم بقيادة العميد عمر حسن وأردفت قائلة: «عمر حسن في الجيش كتير»، وللحقيقة فإن أمثال عمر حسن «في الدنيا ما كتير خليهو الجيش!!».. ويشهد له أبناء دفعته «الدفعة 18 الكلية الحربية» أمثال الجنرالات العظام صلاح أحمد محمد صالح.. ومحمد عمر.. ومحمد عبدالقادر إدريس.. والمعز عتباني بأنه من أشطر وأشهر منسوبي الدفعة، وأنه طيب القلب كريم المعشر لا يلقاك إلا بوجه طَلِق لا يعرف التجهم في وجوه الناس «والفي يدو ما حقتو».. شهادة لوجه الله الكريم فجميعهم لا يشغلون أي مناصب حكومية أو شبه حكومية، ويلتقون كأبناء دفعة بالتناوب في منازلهم ويحضر البشير كلما سمح له برنامجه بذلك.. وقد قال له دفعته المعز عتباني في رسالة قصيرة عندما اتهمته الجهات إيّاها بثروة مليارية دولارية «لا تحزن فإن الله معك ونحن عارفين إنت منو». عم حسن أحمد البشير محمد عثمان حرمه أبناؤه «تُقية» من أن يطلق اسمه على مجمع النور الإسلامي، فقد كان من المؤمل أن يُسمى مجمع حسن أحمد البشير الإسلامي تخليداً لذكرى رجل ركل الدنيا من أجل أبنائه وترك العمل في التجارة، ورضى بأن يلتحق بمزرعة «عزيز كفوري» عاملاً وأن يسكن في طرف المزرعة في بيت جالوص يفتقر للتبليط بالزبالة من الداخل والخارج، ومع ذلك كان ملاذاً لطلاب العلم وعابري السبيل والمساكين، ولم تكن الحاجة هدية تبارح تُكُل العواسة إلا لحلة الملاح حتى منتصف كل ليلة خدمةً لضيوف عم حسن وأولاده.. حتى تخرجوا من الجامعات بأرفع الدرجات.. وقضى الأخ الأكبر الأستاذ أحمد نحبه وهو في ريعان الشباب، وكان معلماً ترك ولداً وبنتاً، يليه عمر الضابط بالجيش والذي حرمته تقلبات السياسة من دراسة الطيران في الاتحاد السوفياتي فأُلحق وزملاؤه على الدفعة 18 وهي في منتصف برنامج تدريبها، فبرع في العلوم العسكرية والضبط والربط وكان مجتهداً عوَّض ما فاتهم ولم يتغير بأي قدر وهو يتدرج في الرتب ويغترب في الخليج ويسافر إلى أمريكا وباكستان وماليزيا ومصر.. ثم هو رئيساً لمجلس قيادة ثورة الإنقاذ ورئيساً للجمهورية، ولا يلاحظ كل من يعرف عمر أنه هو هو طالباً حربياً أو قائداً أعلى برتبة المشير.. حدثني مرة قائلاً إن أحد إخوته طلب من والدهم «قروش» فصاح في وجهه «جنكم قروش هسع عمر ده سمعتوه بيقول أدوني قروش؟».. يقول عمر «إنه لم يكن في حاجة للقروش لأنه تربى مع عمه خالد وحبوبته خادم الله التي كانت تغنيه عن أي سؤال.. وقال.. إنه منذ ذلك الوقت آليت على نفسي أن أقدم لأخوتي كل ما استطيعه بما يرضي الله. ما دفعني لهذه الشهادة «غير المجروحة» فأنا لا أعمل ولا أرغب في أي منصب ولا جاه ولا مال والحمد لله.. هذه السهام المسمومة التي تنتاش الرئيس وإخوته جرياً وراء استنساخ تجربة الثورات العربية من حولنا، ومحاولة إلصاق تهمة الفساد بالسيد الرئيس من خلال الحديث عن «ثروة إخوانه».. ومن العجب أن كافوري التي ضاقوا مُرَّها «بقت حلوه الليله» بعدما دفع الوفاء و«الولف» الرئيس وإخوانه أن يقطنوا فيها، فهي ملاعب صباهم ومراتع حياتهم الأولى.. بنى العقيد عمر المغترب لنفسه بيتاً في الجريف من حر ماله، وعندما استلم استحقاقه في الخطة الإسكانية لضباط القوات المسلحة في العودة أو المهندسين بأم درمان باع بيت الجريف «بيت مغترب» وقطعة المهندسين واشترى قطعة بكافوري، والذي لم ترتفع قيمة الأرض في مربعاته إلا عندما أصبحت كافوري تضم شخصيات مهمة.. ولا يزال بيت الرئيس تحت التشييد.. ومهما يكن من أمر فما الغرابة أن يكون للمشير عمر حسن منزلاً أو قصراً في كافوري أو غيرها من أحياء العاصمة.. ألم يخدم القوات المسلحة طيلة هذه المدة؟؟ ألم يكن مغترباً في الخليج سنين عدداً؟؟ ألا يستحق بدلات وامتيازات حسب القانون؟؟ وهل الذين يملكون الدور والقصور في طول العاصمة وعرضها رؤساء جمهورية أو إخوان الرئيس؟؟ كان الرئيس طالباً حربياً يشارك في طابور سير ومرَّ الطابور بالقرب من مزرعة عزيز كفوري، وكانت بيوت العمال الطينية الصغيرة متلاصقة.. قال الرئيس كنت أود أن أقول لجاري في الطابور «دي بيوتنا» لكنه استعجل وسألني وهو يشير لبيوتنا «دي أنادي ولا شنو؟» فرد عمر قائلاً «ما بعرفها».. هسع كافوري بقت لكم سكن فاخر؟.. ولنا عودة وهذا هو المفروض