ü لم يبلغ سن الخامسة والعشرين فتى طويل القامة، تميل بشرته للسواد الذي يسمى عند أهلنا في الريف (الخضرة الدقاقه)، شعره سبيبي ووجه دائري تضفي عليه الابتسامات ألقاً خاصاً له (كِزيمه) بكسر الكاف، لم يتجاوز تعليمه النظامي المدرسة الابتدائية مثل كثير من أقرانه في الريف، لم يحترف الزراعة بمقاصدها الفنية ولا الرعي كان بين المدينة والقرية.. لمعت نجومية الفتى موسى الفضل الشهير بموسى (الخماسية)، والأخيرة هي محكمة بديلة لمحاكم النظام الأهلي التقليدية تتكون من خمس شخصيات عدول أو غير ذلك، تمارس السلطة القضائية لسد الفجوة التي خلفتها قرارات الرئيس الأسبق جعفر نميري بحل الإدارة الأهلية، واشتهرت محاكم الخماسية بسرعة البت في القضايا والحزم والشدة.. وإعجاباً بتلك المحاكم التي نهضت على أنقاض المحاكم الأهلية تفتقت العبقرية الشعبية لإطلاق اسم موسى الخماسية على فتى قبيلة كنانة الأغر، الذي كم أسعد أهله وعشيرته في ميادين رياضة المصارعة التي تمثل ثقافة قومية في ولاية مثل جنوب كردفان!! ü كان موسى الخماسية نسيج وحده، مصارع قوي البنية يمتاز بمهارة فائقة في إسقاط المنافسين.. أكثر من خمس سنوات وموسى فارس في الساحة الرياضية لم يستطيع مقارعته العرب الرحل وقاطنو الجبال.. ويحظى موسى بتشجيع خاص من شقيقه أبو القاسم الفاضل أحد التجار الأثرياء حينما كانت مدينة الدبيبات تباهي بحسن عبد القادر وأبو القاسم الفضل والشريف عبد الرحمن والأسباط ومحمد أحمد هشابه، التجار الذين شيدوا بعرقهم قرية أصبحت اليوم مدينة ومحلية يباهي بها أهلها.. وموسى الفضل الفارس الذي ترجل بغتة وغاب في طرفة عين يمثل علماً وقمراً يضيء سماء كردفان.. كان الفتى موسى «الخماسية» مصارعاً فذاً يجوب الفيافي والمدن يبحث عن من ينازله، وفي ساحة المصارعة تزفه فتيات قبيلة كنانة وهن في كامل زينتهن يعطرن فارسهن (بالفليردمور) و (علي الميرغني) وبخور التيمان من عين الحسود، ويُحمل أحياناً على أكتاف الشباب وسط زغاريد حسان تهفو إليهن قلوب العاشقين، فأصبح موسى الفضل زارعاً للفرح وحاصداً للجوائز حتى طبقت شهرته الآفاق!! ولأن الرجل كان شجاعاً ومقداماً اختار طريق الجندية، أشرف المهن وأعزها على الاطلاق، وفتح صفحة جديدة من البسالة في ميادين القتال.. في مربو وتوريت لموسى قصص وحكايات، وفي معارك تلشي والرقفي وأم دولو شهد الجميع لفتى كنانة الأغر بالرجولة والفراسة والشراسة، في ساعات النزال لم يحتمِ وراء الساتر حينما يشتد وقع مواجهة الرصاص بالرصاص.. ü ولأن الموت نفاد يختار الجياد، انطوت صفحة بيضاء مطرَّزة بالفداء يوم الأحد الماضي في حادث سير بالقرب من مدينة الدلنج، ووري جسده بمسقط رأسه حيث عشيرته فأدمع رحيل موسى الخماسية القلوب قبل العيون، وجزع لرحيله الرجال قبل النساء.. وتقدرون وتقدر الأقدار ويذهب موسى بعيداً وتبقى ذكرى رجل يكفيه زرع الابتسامة في الوجوه العابسة، ويكفيه الكاكي الذي تدثر به والحروب التي خاضها في سبيل وطن ليبقى، و « إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون » !!