من مصائب بلادنا الكبرى، بعض ساستها وقادتها المزمنين.. فالسادة والأسياد يسدون الطريق على غيرهم للابتكار والتجديد والقيادة.. وهم يريدون أن يكونوا- مثلما كانوا دائماً- مفاتيح الحل والعقد والربط والضبط، ولا مجال لصاحب قدرة أو معرفة أو خبرة أو فكر معهم إلا إذا كان من الطائعين الطيعّين، الذين يمشون على عجين السادة دون أن (يلخبطوه).. وإلا فعليهم وعلينا الرحيل ليبقى السادة. السادة الأوائل جاءت بهم ظروف محددة، وموازنات اقتضتها ظروف الحكم الأجنبي، لكن الذين جاءوا من بعدهم أرادوا أن يكونوا (هم وغيرهم) في ذات الوقت، أرادوا أن يكونوا هم (الثابت) الوحيد في السياسة السودانية، وغيرهم هو (المتغيّر).. وانتقلت العدوى إلى أصحاب الأفكار الحديثة التي قامت عليها أحزاب تستند على الفكر والعقيدة، فأصبح رئيس الحزب الجديد الحديث مثله مثل رئيس الحزب التقليدي القديم، وتحولت الأحزاب الحديثة بذلك المفهوم إلى طوائف سياسية تورَّثُ قرباً للأكثر قرباً من الزعيم لا للأجدر بالقيادة، لذلك تشققت تلك الأحزاب وظهرت لها الفروع التي لا تظلل أحداً، وضعفت وتراجعت عضويتها حتى أصبحت العضوية من أهل البيت الواحد.. وأبناء العمومة والخؤولة والأقارب.. ولم يكذب حزب من الأحزاب ما ذهبنا إليه من قبل وهو أن القيادة في بلادنا وفي عدد من دول العالم الثالث تنتجها (الصدفة) أو (النطفة).. ولن ينصلح حالنا إلا إذا جاءت القيادة إفرازاً طبيعياً من وسط الناس والشعب والجماهير.. وأمامنا الآن تمرين ديمقراطي نأمل أن تعمل من خلاله الأحزاب على (تسليك) عضلاتها وتقويتها بالدفع بأقوى كوادرها في الأحياء والمدن والمحليات والولايات.. لخوض انتخابات اللجان الشعبية رغم أن عدداً من القيادات القابضة على زمام الحكم.. تصرّح بأن انتخابات اللجان الشعبية محظورة على الأحزاب.. وهذا قطعاً كلام غير منطقي. أنت وأنا وأي من الآخرين غيرنا.. إن أراد المنافسة في انتخابات اللجان الشعبية هل سيواجه بالمنع إذا كان حزبياً؟ المنطق يقول بقبول المنافسة استناداً على مبدأ القوي الأمين- حقيقة- دون مظلة حزبية.. لأن اللجان خدمية ومتصلة بما تقدمه للمواطن من خدمات في مجالات البيئة والصحة والتعليم والأمن وغيرها.. لكن هذا لا يمنع أن يدفع حزب ما بمرشح ما في حي ما آملاً في الفوز والاقتراب من أولى درجات سلم السلطة في البلاد.