مهما اختلف أهل السودان حول هذا أو ذاك من الزعماء أو القادة أو الرموز فإن من المستحيل ان يختلف سودانيان حول رمزية الدكتور التجاني الماحي ليس كشخصية قومية سودانية فقط وإنما كعالم إنساني موسوعي المعارف، هذا فضلاً عن مجاهداته الوطنية في سبيل رفعة بلاده وعزتها. ملامح من سيرته ولد التجاني الماحي ببلدة الكوة في منطقة النيل الأبيض في ابريل من عام 1911م، وتخرج في مدرسة كتشنر الطبية بكلية غردون عام 1935م، ثم ذهب الى انجلترا حيث حصل على الدبلوم العالي في الطب النفسي عام 1949م كأول سوداني وأول أفريقي يتخصص في الطب النفسي. انضم الدكتور التجاني للخدمة الطبية في السودان وعمل بأم درمان والخرطوم ووادي حلفا وكوستي، وانشأ عيادة للأمراض العصبية بالخرطوم بحري، كما كان مهتماً بالخدمات الطبية بالريف، وفى الفترة ما بين 1959م-1969م عمل كمستشار إقليمي في منظمة الصحة العالمية حول الطب النفسي، وبعد ثورة 21 أكتوبر 1964م اختير كعضو ورئيس مناوب في مجلس السيادة، وشغل منصب الرئيس في ذات المجلس عام 1965م. وفى عام 1969م تقلد منصب رئيس قسم الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الخرطوم، وقد شغل ذلك المنصب حتى وفاته، كما ان الدكتور التجاني يعتبر أباً للطب النفسي في أفريقيا ومن ابرز مؤسسي جمعية الطب النفسي الأفريقية، وله دراسات رائدة ومشهورة حول السحر والزار وعلاقة ذلك بالصحة النفسية، وفى بحوثه الأفريقية كان يدرس الآثار والحضارات الأفريقية القديمة وله معرفة كبيرة باللغة الهيروغليفية. وقد عبرت ملكة انجلترا إليزابيث الثانية عند زيارتها للسودان عام 1965م إبان رئاسته لمجلس السيادة عن دهشتها بحصيلته الثقافية والمعرفية، وهذا عين ما أشار له زميله وصديقه الدكتور طه بعشر حينما ذكر ان الدكتور بروك شيشولم قدم التجاني للحضور لدى انعقاد اجتماع بعنوان(أفريقيا: التغيير الاجتماعي والصحة العقلية) في نيويورك عام 1959م بقوله(دكتور التجاني طبيب نفسي مميز, لقد رايته في مناسبات عديدة مختلفة وسط جماعات مختلفة من الناس المؤهلين في جوانب تقنية متعددة، وفى كل حالة كان الدكتور التجاني الماحي مدهشاً سواء أكان في اجتماع يناقش قضايا افريقية أو حتى البلاد الأخرى أيضاً. ان خبرته عريضة ولكن كيف يجعلها مركزة ومتعمقة في ذات الآن بحيث تكون بهذا القدر شاملة، فهو الشئ الذي لم يمكنني فهمه بعد. ربما ان عقله الباحث، ودافعه الاستثنائي، واهتمامه اللا محدود بالسلوك الإنساني وشجاعته وإخلاصه هي الأشياء التي خلقت شخصية التجاني الفريدة). وفى الساعات الأولى من صباح الخميس الثامن من يناير عام 1970م رحل الدكتور التجاني الماحي الى رحاب ربه راضياً مرضياً بإذنه تعالى، وقد خلف مكتبة ضخمة هي الآن جزء من مكتبة جامعة الخرطوم، وقد أطلق اسمه على أول مستشفى انشئ للصحة العصبية والنفسية في السودان وهو(مستشفى التجاني الماحي) الشهير، ولعله من اكبر المستشفيات المتخصصة في أفريقيا، فعلي الفقيد الرحمة بقدر ما قدم من جهود.