لعله من نافلة القول أن نذكر أن دور الشعر فى الحياة الإجتماعية قد بدأ يضمحل ويتلاشى ، وما عاد الشاعر هو صناجة قبيلته أو أمته التى تصغى كل الدنيا لشعرائها ليقاس حجم الأمة بحجم شعرائها . السبب الأساسى لتراجع الشاعر عن الصف الأول فى أمته هو هذه الطفرة الإعلامية التى عصفت بالشاعر فأطاحت به خلف الصفوف . وكأنى بالإعلام يمثل دور الملك مع الشاعر فى قصيدة إيليا أبو ماضى(الشاعر والملك الجائر) حيث تقول القصيدة :- أمر السلطان بالشاعر يوما فأتاهْ في كساء حائل الصّبغة واهٍ جانباهْ و حذاء أوشكت تفلت منه قدماهْ قال : صف جاهي ، ففي وصفك لي للشعر جاه إنّ لي القصر الذي لا تبلغ الطيرُ ذراهْ و ليَ الروض الذي يعبق بالمسك ثراه و ليَ الجيش الذي ترشح بالموت ظباه و ليَ الغابات و الشُمُّ الرواسي و المياه و ليَ الناس ... و بؤس الناس منّي و الرفاه إنّ هذا الكون ملكي ، أنا في الكون إلهْ ! ففى القصيدة يرى المَلِك أن له الكبرياء والعظمة ، بينما الشاعر لا يملك غير العواطف والأحاسيس التى لا تسمن ولا تغنى من جوع . ! وفى نهاية المطاف يأمر السلطان بالشاعر فيُقتل ، ثم يمر الزمان فيموت الملك نفسه وتنهدم مملكته وقصره وكل شئ بناه بينما تبقى على مر الدهور والأيام أقوال الشاعر الحكيم. كان الشاعر قديماً هو خط الإعلام الأول فى أمته ، أما الآن فقد غطى الإعلام مساحات شاسعة وتمدد فى كل فراغ وما عدنا ننتظر من أبي تمام ليقرر لنا أو يحدثنا عن موقعة عمورية ، فالإعلام أكثر يقظة وحضوراً !! من ناحية ثانية فإن توسع الإعلام بأبوابه المشرعة المفتوحة قد جعل من السهل لكل من يكتب شعراً حتى ولو لم يكن جيداً أن يقوم بسهولة ويسر بنشر كل أعماله مما يربك حسابات القارئ المتلقى الذي يبحث عن جيد الشعر وأصيله فتطيش سهامه فى الركام قبل أن تصل إلى الهدف المنشود من رصين الشعر فينبذ كل ذلك على سواء ! قد يحتاج الأمر لمعالجة ، فأما أن يستسلم الشعراء لهذا الدور الإستثنائى وأما أن يجدوا لأنفسهم مولجاً فى عالم اليوم الذى لا يفقه معنى التعفف والإباء والعزة التى يعيشها الشعراء وهم يقبعون وراء الصفوف لا عزة لهم سوى ما يكبتون فى أنفسهم !!