بدايةً نهنئ قرّاء (آخر لحظة) بالعيد السعيد، جعله الله خيراً وبركة على أمّتنا الإسلاميّة، وغفراناً للذنب ورحمةً واسعةً لكل الأمّة، بعد أن أدى أكثر من ثلاثة ملايين حاج وحاجّة الفريضة هذا العام، وبعد أن وقفوا على صعيد عرفات الطاهر يرفعون الأكف بالدعاء الحار لله عزّ وجل أن ينصر الإسلام ويعزّه، وأن تظل راية (لا إله إلا الله) عاليةً خفّاقةً أبداً. وكنا نتوقع أن تفاجئ الحركة الشعبيّة الناس في هذا الوطن (الُمبْتَلى) بها وبغيرها وأمثالها، كنّا نتوقّع أن تفاجئ الجميع بموقف (دراماتيكي) يرتبط بالانتخابات من خلال إعلان المقاطعة ضمن مجموعة أحزاب مؤتمر جوبا، لكن يبدو أنّ قيادات الحركة راجعت موقفها ثمّ تراجعت بعد ذلك، حيث أنّ شريكها في السلطة المؤتمر الوطني أعلن صراحةً أنّه إذا لم تكن هناك انتخابات فلا استفتاء. والحركة قطعاً تراهن على الاستفتاء ليقع كل جنوب البلاد في قبضتها غنيمةً (باردة)، وهذا هو ما تحلُم به الحركة في صحوها ومنامها، ونحسب أنّها لم تقرأ الواقع جيِّداً، لأنّ المواطن في جنوب الوطن يعاني من الفقر والجوع والمرض رغم مئات الملايين التي يتم (تحصيلها) باسمه كل شهر ولا يقبض منها إلا الريح، بل إن كل الذي يجده ليس إلا حصاد هشيم لا يقيم أوداً ولا يسد رمقاً ولا يسند من أضناه الفقر. نعم .. كنّا نتوقع أن تفاجئنا الحركة الشعبيّة بموقف شاذ وغريب، لكن المفاجأة كانت في أنّها لزمت الصمت وخرجت علينا تصريحات أمريكيّة غريبة تتّهم القائمين بالأمر بالتلاعب في نتائج الانتخابات القادمة، كأنّما أراد الأمريكيون أن يتحدّثوا بلسان الحركة الشعبيّة ومن التفّ حولها من أحزاب لا وزن لها في ساحات العمل السياسي. وجاءتنا المفاجأة الثانية من خارج السودان يوم الأحد التاسع والعشرين من نوفمبر، أي في ثالث أيّام عيد الأضحى المبارك، وذلك من خلال نتيجة الاستفتاء الذي تمّ في سويسرا على مبادرة حظر بناء مآذن جديدة، وكنا نتوقّع ألا تتم الموافقة الشعبيّة على هذه المبادرة التي يتبنّاها اليمين المتشدِّد ممثلاً في (حزب الشعب السويسري) مسنوداً من حزب مسيحي صغير هو (الاتحاد الديمقراطي الفيدرالي)، والجميع الآن يعلم أن الناخبين الذين تم استفتاؤهم على مبادرة حظر بناء المآذن أيّدوا الحظر بنسبة (5.57%)، وهذا يعني أن دولة الحريّات الدينيّة لم تعد كذلك، وأن الحياد الموضوعي لم يعُد له مكان في الاتحاد السويسري كما كان السويسريُّون يفخرون بذلك على الدوام. وقد كنت أتحدّث قبل أيام قليلة مع سعادة سفير سويسرا بالخرطوم السيد (أندريج موتبيل) حول هذا الاستفتاء والنتائج المتوقّعة له، وكان يقول إن الحكومة والبرلمان ظلا على الدوام يطالبان الناخبين بأن يقولوا (لا) في استفتاء يوم (29) نوفمبر الخاص بالمبادرة الشعبيّة. اليمين السويسري المتشدِّد، ومن خلفه قوى سياسيّة أخرى، كشف عن عمق الهوّة (المفتعلة) بينه وبين (الآخر) المتمثِّل في الإسلام، وكشف عن مدى الرغبة اليمينيّة في الانكفاء على الذات، وهو ذات ما ذهب إليه تحليل عدد من السياسيين في الاتحاد السويسري، ومن بينهم وزيرة الخارجيّة السيِّدة (ميشلين كالمي) التي اعتبرت (إنّه في جو مماثل، كان من السهل التلاعب بمشاعر الخوف لدى الناس)، ثم أضافت: (هذه المبادرة قد تم استغلالها وتسخيرها لذلك). .. وما بين الذي يحدث عندنا من جانب بعض ساستنا والذي يحدث في سويسرا من جانب أحزاب اليمين (المتشدِّد) وهي كلمة مهذّبة وبديلة لكلمة (المتطرِّف).. ما بين الإثنين ما أشبه الساسة في مسارح السياسة الباردة .. أو شبه الاستوائيّة. وندعو في الختام: «اللهم إنّا نعوذ بك من القسوة والغفلة والذلّة والمسكنة .. ونعوذ بك من الكفر والفسوق والشقاق والسمعة والرياء .. اللهم إنّا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء وشماتة الأعداء». آمين.