أيام كان القتال ضارياً في شرق السودان، وكانت المعارضة ترفع السلاح في وجه حكومة الإنقاذ، كان جيش الأمة بقيادة عبد الرحمن الصادق المهدي ضمن الجيوش التي تقاتل نظام البشير، ولم يكن جيشا حقيرا بل اسندت إليه عمليات خاصة نفذت بجرأة شديدة، إلا أن إشاعة قوية باتت تتردد في ذلك الوقت، مفادها أن جيش الأمة سينسلخ ويشق صفوف جيش التجمع الوطني ويعود إلى الخرطوم، الشائعة في كل يوم تصبح أقرب إلى الحقيقة، بيد أن مسئولي جيش الأمة يواجهونها بالنفي القاطع في كل مرة. واقعة صغيرة حدثت لم يعد بعدها الإنكار ممكناً عندما رصدت استخبارات التجمع لقاء سرياً بين قائد جيش الأمة وقتها ومساعد رئيس الجمهورية حالياً عبد الرحمن الصادق ومسئول أمني رفيع يتبع للإنقاذ بأحد الفنادق بالعاصمة الليبية طرابلس اتضح لاحقا أن المسئول هو اللواء عبد الكريم، بعد ذلك اللقاء بأيام قليلة لم يعد جيش الأمة ينفي انسلاخه من جيش التجمع الوطني بل في غضون أيام عادت قيادة حزب الأمة وتبعها الجيش إلى داخل السودان يسبقها اتفاق مع الحكومة. مؤخرا عاد ذاك الغموض في العلاقة بين حزب الأمة القومي وتحالف قوى المعارضة والشائعة باتت تتردد من جديد "حزب الأمة ينوي الخروج من تحالف قوى الإجماع"، الأمر بدأ باختلاف المواقف ووسائل معارضة النظام، ففي الوقت الذي يرى فيه تحالف قوى المعارضة بضرورة المطالبة الصريحة بإسقاط وتغيير النظام، تمسك حزب الأمة بالحوار مع المؤتمر الوطني وأهمية إقناعه بحكومة يشارك فيها الجميع بعد مؤتمر دستوري جامع، و من جانبه أطلق عليه بالحوار على الأجندة الوطنية واشتهرت منها عبارة كان يرددتها رئيس الحزب الصادق المهدي ويقول(نسعى إلى تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن) ولم يتمخض عن ذاك الحوار إلا تعيين نجل الصادق شخصيا في منصب مساعد رئيس الجمهورية، قوى المعارضة ظلت في موقفها "إسقاط النظام". قبل أن نغادر هذه النقطة نشير إلى أن الصادق قدم حججا تساند موقفه في الحوار وممانعته للإسقاط والتغيير ومناداته بالإصلاح، وابتدر هتافا للجماهير قال فيه "الشعب يريد إصلاح النظام". الشائعة تقترب من الحقيقة، ونكاد نستشفها من عبارات وتصريحات قيادات حزب الأمة، الأمين العام الجديد للحزب إبراهيم الأمين يصف تجمع المعارضة بأنه جسم غير فاعل تنهك بنيته الخلافات والاستقطابات الثنائية والمصالح المحدودة، ويقول في مؤتمر صحفي "تحالف المعارضة يعاني من الاختلاف بين مكوناته والتكتلات الثنائية مستشرية فيه" الأمين كان حديثه ينم عن أن التحالف ميؤوس منه، فهو لم يطالب بإصلاحه كما جرت العادة من قيادات حزب الأمة في السابق، إذن ما الذي يبقي الأمة في هكذا تحالف؟ وخاصة أن الرؤية لم تعد واحدة. موقف حزب الأمة من النظام الحاكم ومن تحالف المعارضة يصبح أكثر غموضاً، وبالذات عندما كانت المشاركة جزرة يلوح بها المؤتمر الوطني للأحزاب، مذكرة تعد سراً من قيادات التحالف، جوهرها استيضاح حزب الأمة من موقفه من الحوار مع الوطني الذي تطاول وتطالبه بتحديد موقف واضح، اختلاف طريف أدى إلى إجهاض مذكرة الاستيضاح.. رأى عدد من قيادات التحالف ضرورة عقد اجتماع لمناقشة المذكرة والتشاور حولها، ولكن هل ندعوا ممثل حزب لذلك الاجتماع أم لا؟، وهنا كان الخلاف ولم تقدم المذكرة. في تلك الأجواء وبعد أن فشل مشروع المذكرة وقعت خلافات حادة بين زعيم حزب الأمة وعدد من قيادات التحالف أشهره خلافة مع الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي الأمر الذي استدعى مصالحة. المدهش أن الأمر اتجه إلى تصعيد وخاصة بعد الإعلان عن تعيين عبد الرحمن الصادق مساعدا للرئيس، وتوقع المراقبون أن يقع شقاق صريح بين الأمة والمعارضة، الشقاق لم يقع إلا أن توترا شديدا سيطر على الأجواء. قيادي بارز بقوى المعارضة صرح رسميا ل(الأحداث) بأن حزب الأمة انسلخ عن قوى المعارضة، والقصة بحسب مصدر مطلع أن اتصالا هاتفيا بين مريم الصادق -أبرز ممثلي الأمة في المعارضة - والقيادي البارز يذكرها فيه بموعد اجتماع، ثم انعطف بالحديث إلى غياب ممثلي الأمة الملاحظ عن كل الاجتماعات، وما كان من مريم إلا وأن قالت له صراحة بأنهم انسحبوا من تجمع المعارضة. الغريب أن في عشية ذلك التصريح وفي جنوب دارفور أعلن مساعد رئيس الجمهورية نافع علي نافع أن حزب الأمة فارق المعارضة وقال على طريقته (حزب الأمة فرز عيشتوا من المعارضة)، في اليوم التالي سارعت مريم إلى نفي كل ما تردد، وأكدت أنهم أساسيون في بناء قوى المعارضة، واستشهدت بأن قوى الإجماع في اجتماع على مستوى رؤساء الأحزاب تبنى مشروع حزب الأمة الذي طرحه مؤخرا ويسمى مشروع الخلاص الوطني، المفاجأة كانت في أن ما استشهدت به مريم ليعضد موقفهم في البقاء ضمن أحزاب المعارضة أعاد الغموض والشكوك أقوى مما كانت عليه وهذا ما سيتضح لاحقاً. الشائعة تقترب من الحقيقة، السؤال الذي توجهنا به إلى قيادي مشارك في اجتماعات الرئاسة كان ينحصر في: هل تبنى تجمع المعارضة مشروع الخلاص الوطني الذي يطرحه حزب الأمة؟ إلا أن السؤال جرنا إلى أسئلة فرعية لا تقل أهمية عن السؤال الرئيسي إن لم تكن تفوقه في بعض المرات. وكانت الإجابة لا هذا غير صحيح.. واستطرد المشروع لم يناقش في اجتماعات التحالف أصلاً، أشرنا إلى ما استشهدت به مريم فقال "في ذلك الاجتماع حضر إبراهيم الأمين وعندما اقترح مناقشة مشروع الخلاص الوطني اعترض الحاضرون وقلنا له: إن مشروع الخلاص غير مدرج في أجندة الاجتماع فما كان منه إلا أن خرج قبل نهاية الاجتماع بوقت طويل، وفسر المجتمعون تصرفه احتجاجا على مناقشة مشروع الخلاص". سألناه هل صحيح ما تردد أن ممثلي حزب الأمة باتوا يتغيبون عن الاجتماعات قال "لأكثر من خمسة أشهر لم ينتظم ممثلو حزب الأمة في الاجتماعات، وبخلاف الاجتماع الذي حضره إبراهيم كانوا دائما غياب" سألناه عن مريم بالذات لأنها كما هو معلوم رئيسة لجنة الإعلام فقال "مريم كانت متحمسة جدا للاجتماعات وهذا الحماس اختفى تماما، وهي أيضا غائبة في الشهور الماضية واللجنة كثيرا ما تجتمع وهي غائبة". هل انسلخ الأمة عن القوى؟ سؤالنا الأخير والمهم أجاب "رسمياً لا نستطيع أن نقول ذلك، لأنه لم يخطرنا ، عمليا هو كذلك لم يعد يشارك في اجتماعات التحالف". لا شك أن سؤالا ملحاً في الأذهان يتوخى إجابة، هل يمكن للتحالف أن يصدر قرارا بفصل حزب الأمة مستندا إلى مقاطعته لاجتماعات والنشاطات المختلفة وتصريحات قياداته وانتقادتهم اللاذعة له؟. قيادي بالتحالف ألمح إلى أن الخطوة بالغة الصعوبة، ستفتح على التجمع أبوابا من الصعب إغلاقها في المستقبل. سبب آخر أشار إليه وهو أن حزب الأمة يتمتع بقاعدة جماهيرية لا يستهان بها وهي في معظم الأحيان مساندة لمواقف المعارضة وإن اختلفت مع مواقف الحزب وحال تم فصله من المتوقع خسارتها. إذن قوى المعارضة لن تفصل الأمة فهل يغري ذلك الأمة بالعيش في حالة التماهي بين السلطة والمعارضة طويلا؟ أم سيعلن انسلاخه لحسابات تخصه كما فعل من قبل؟ غدا لناظره قريب.