{ تستهويه الأصوات، أياً كان مصدرها، يلتقطها برفق وعناية ومهارة دخلت على أذنه وهيأتها لسماع لا يسمعه غيره.. الصوت عالمه وكوكبه وفضاء روحه وسجنه، كل ذكائه وقواه الخفية سكنت أذنه، وسكن بصره وقلبه وعقله وحواسه.. الأصوات تمنحه أسرارها فيتعرف على مشاعرها وآمالها وأحلامها ومخاوفها وتفاصيلها العصية فتتحول الكلمات الى مشاهد وعوالم وحياة تستجيب الى تأويلاته وتحليلاته التى تجرى مع الكلمات وهى حية وندية، لم ينقطع رنينها بعد، حتى عن آذان شركائه فى ذات الكلمات واللحظة والمكان برقمية مذهلة.. الكلمة الواحدة قبل أن تستقر داخل عبارة تلاحقها آلاف العمليات الذهنية وتقلبها وتستنطقها وتنسج بينها وبين كلمات العبارة الأخرى فتجرى التصورات وتنبت النتائج وتنكشف النهايات مع نهاية العبارة. { طفق الرجل يرهف أذنه التى هى أذن ليست ككل الآذان، يبحث عن كلمات وأصوات جديدة ويحصد أفكاراً عن عالم الأصوات والكلمات، تقوده فطرته ورغبته وهوايته، فتنهض داخل دماغه مكتبة صوتية عامرة، حتى صارت الأصوات تلتقط الأصوات قبل الأذن أحياناً وشرع يتسلح بالعلم ويقرأ فى علم الأصوات وأخبارها وأغوارها وأسرارها، فتتحد فطرته مع علمه ومعرفته، تصقله تجربة تتمدد كلما تلتقط صوتاً. { أعجبته الدراسات التى قرأ عنها وهى تبحث فى الغلاف الجوى عن أصوات تفوه بها أصحابها منذ آلاف السنين وسر هذا الكون العجيب أن غلافه الجوى يوثق للحياة التى تجرى تحته فيحتفظ بكلامها، وبدأ الغرب يبحث فى الغلاف الجوى عن كلام الأنبياء والرسل وفلاسفة الحضارة الإنسانية القديمة والمشاهير ويتوقع فى حال نجاح هذه الأبحاث حدوث انقلاب جذرى فى كثير من المسلمات التاريخية التى بدورها ستغير فى مستقبل الحياة بأسرها وبمقدار التغيير الذى سيطال التاريخ، ومن القراءات التى يستحسنها صاحب الأذن تلك التى تتصل بالأبحاث والاختبارات التى يقوم بها متخصصون فى الأصوات في الولاياتالمتحدةالأمريكية لفك شفرة الغموض الذى ما زال يكتنف عملية اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي 22 نوفمبر 1963م بمدينة دالاس بولاية تكساس ومازالت الأبحاث تتواصل وتنصت لصوت طلق ناري آخر غير الذى أصاب الرئيس القتيل بالإضافة لبعض الأصوات الأخرى التى التقطتها آلة التسجيل الصوتي وفى كل مرة يخرج الباحثون بأفكار جديدة حول عملية الاغتيال، ولك عزيزى القارئ أن تتخيل عملية الاستماع لهؤلاء الباحثين، كيف تتم وهم يستمعون لأصوات تمر بسرعة الطلق الناري التى ربما لا يتجاوز زمنها الكسر من الثانية، وهذا ما يدفعنى للاعتقاد بأن الآذان والسماع خشم بيوت ومقادير ولله فى خلقه شؤون. { حكاية الصوت التى تشغل بال صاحب الأذن ويتواصل معها بأدواته البسيطة وقدراته المتواضعة تقوده للبحث فى هذا الشأن فى بلادنا والصوت يدخل فى اختصاص جهات عديدة أكاديمية ومهنية مثل كلية الموسيقى والدراما وهى بالتأكيد تهتم بأصوات المغنين والآلات الموسيقية وما يتبعها من تنويت وتبذل فى ذلك جهداً ربما ظلمته الإمكانات المتاحة وكذلك تدخل الأجهزة الأمنية وبالذات الشرطة لاسيما وأن مسرح الجريمة قد تقتحمه الأصوات يوماً ما فتستعصى على فريق المباحث وفى هذا الجانب لا أعتقد أن عملاً إستراتيجياً قد بدأ ومازلنا نستمع لأصوات مسرح الجريمة بأية أذن. وفى جانب الإذاعة وهى تقوم على الصوت لا أعتقد أن هناك دراسات عميقة تبحث فى هذا البحر الواسع، فالمسألة أكبر من فنيي الصوت والمهندسين، فهؤلاء يبحثون فى الآلات والمعدات والأجهزة، أما ما هو أكبر من ذلك ذلك الذى يتعلق بأذن بني آدم. { الى متى نتجاهل التفاصيل وهى التى تقودنا الى الأشياء الكبيرة وفي البال أن الأثرياء انتبهوا الى الدراهم فحصدوها درهماً درهماً فصاروا أغنياء أزمانهم وفى الذاكرة سُئل غني كيف صار؟ فردّ عليهم بالبلدي: (جوعة سنتين).