{ فلنتفق أولاً على أن كل أنثى على ظهر البسيطة هي قطعاً فنانة تتقن أعظم الفنون على الإطلاق، وهو «فن الأمومة»، فحتى إناث الحيوانات يعرفن كيف يمارسن أمومتهن بحرفية عالية وأحاسيس مرهفة، والأمومة فن يعتمد في الأساس على مهارات الحنان المفرط والتضحية والإيثار والقدرة على فهم الأمور الغامضة والحدس العالي، وهي أشياء تجيدها المرأة أكثر من غيرها، ولن أقول تحديداً أكثر من الرجال، في محاولة لالتزام الحياد قدر الإمكان. { وبداية تستوجب الأمومة إتقان فن الصبر وقوة الاحتمال منذ بداية شهور الحمل الأولى، وكثيراً ما راودتني أمنية مستحيلة كلما اجتاحني وهن الحمل أو أتتني آلام المخاض، فسألت الله أنْ لو كان بإمكان زوجي العزيز أن يختبر هذه الأحاسيس ولو مرة عارضة في حياته المديدة بإذن الله. فكل العبارات والمعلومات والقصص والحكايات لن تصف المعنى الحقيقي والأحاسيس الواقعية والمصاعب التي تصاحب الحمل والولادة، ولن يدرك الرجال أبداً ما نكون فيه حينها، ولا يقدرونه حق قدره، وحتى بعد أن قال الرسول «صلى الله عليه وسلم» واصفاً الموت: «اسألوا العائدات» سيبقى الأمر مبهماً لكل الرجال لأن إحساس العودة من الموت أيضاً غير معلوم لديهم. { لذلك هي فنون قاصرة على النساء، ويبرعن فيها دون تميز أو خيارات، إلا إذا تجردت إحداهن من فطرتها وإحساسها الطبيعي بالمسؤولية، عدا ذلك فكل النساء تقريباً يتقن فن الحمل والولادة، لكن حسب ظروفهن وأوضاعهن ومستوى تفكيرهن، وأرجو ألا يتشدق الرجال بإتقانهم لفنون أخرى في شتى المجالات، فكل العالم أصبح يدرك أن المرأة قادرة على إتقان كل الفنون والمهن، ولكن، هل قُدّر لرجل أن يتقن فن الولادة والتربية والأمومة؟ ولا تحدثوني عن ذلك المسخ الذي خرجت علينا الأنباء العالمية مؤخراً بقدرته على الحمل والإنجاب، فهو في الأساس ليس رجلاً، والعياذ بالله. { إذن يا عزيزتي تذكري دائماً حجم الأعباء التي تقع على عاتقك كأم في هذا الزمن المخيف، وعاهدي نفسك على النجاح في مهمتك الانتحارية في التربية، فأنت تحتاجين أن تقهري المستحيل لتسهمي بفاعلية في دفع هذا الكائن الذي أسهمت في خلقه، وأنجبته، وكنت السبب في وجوده، وجئت به إلى هذه الحياة، إلى معترك المجتمع وتعليمه كيفية التواصل مع الآخرين، والالتزام الديني والأخلاقي، وكيف يعيش حياته بشكل سليم، وكل الأطفال يبدأون هذا التواصل بتعلم الكلام، وحتى يتقن طفلك فن الكلام؛ يجب أن تقومي أنت بمشاركته ذلك حتى يكون هناك على الأقل جانب إيجابي «لفن الثرثرة» الذي نتقنه ببراعة كنساء. وعليك أن تحرصي على القراءة الدائمة لطفلك على أن يكون ما تقرأينه صالحاً للمبادئ التي تهدفين لترسيخها في أعماقه، اقرأي له كل شيء يمكن أن يستفيد من اللغة التي كتب بها حتى أنه يمكنك أن تقرأي له مواضيع الصحيفة السودانية الأولى «الأهرام اليوم». { وأرجو أن تدعي طفلك يلعب مع رفاقه الذين تتقارب أعمارهم معه على أن تنتقيهم بحرص، فبعض الأطفال أصبحوا يرددون عبارات ومصطلحات للسباب ما أنزل الله بها من سلطان وهي للأسف سريعة العدوى. وبإمكانك أيضاً أن تعطيه الموبايل وتجعليه يقلدك وأنت تستخدمينه، على ألا تفاجأين بأنه أصبح يمارس (فن النميمة) و(فن البوبار) عبر الهاتف كما تفعلين أحياناً وهي للعلم فنون نسائية لا يتقنها أيضاً سوى النساء. { تلويح: «استمتعوا بثرثرة أطفالكم وتعلموا منهم فن البراءة».