{ ما تجهله معظم النساء، هو أن الرجال أيضاً يبكون ربما في الخفاء، وأن دموعهم وأوجاعهم تكون غالباً.. أسرارهم. وأخشى ما يخشاه الرجل الشرقي هو إن زرف أمامك ذلك اللؤلؤ من دموعه أن تحوليه إلى عِقد حول عنقك تتباهين به وتفخري. لهذا يخاف معظم الرجال من كشف مشاعرهم الدفينة أمام نسائهم، حتى لا يتعرضون للشماتة والاستهزاء والسخرية، فدموع الرجال (عيب)!. هكذا علمونا في موروثاتنا الاجتماعية (العجيبة)، علماً بأن هذا الرجل إنسان له أحاسيس وطاقة احتمال معينة ويحتاج أحياناً للتنفيس عن كبته أو غسل دواخله بالدموع ولكن.. هيهات. { بالمقابل تقضي المرأة عمرها كله وهي تترقّب دموع زوجها، وتتمنى في قرارة نفسها أن تكون سبباً مباشراً في تلك الدموع كأن يأتيها دامع العينين نادماً أو طالباً السماح أو معتذراً أو مُدللاً على حبه الكبير لها وتعلُّقه بها. وكثيراً ما نُمنِّي النفس بأنه لو كان بالإمكان أن نعرف هل سيبكينا أزواجنا بعد موتنا لا قدر الله؟ هذا إذا تركنا الفرصة لتكون أعمارهم أطول من أعمارنا ولم نقتلهم بالنقة والنكد والطلبات قبلنا بزمن. { دمع الرجال نادر.. يستحق الاحتفاء به، لهذا أعرف امرأة خرجت علينا صارخة بفرح: (لقد بكى زوجي أخيراً وكشف مستوره)، وحدثت جميع رفيقاتها بذلك الحدث التاريخي العظيم، علماً بأن زوجها كان يبكي على رحيل أمه إلى دار البقاء ولم تراع هي قدسية هذا المقام ولا احترمت خصوصية اللحظة. ربما لأن الفقيدة كانت نسيبتها تحديداً. غير أني استنكرت منها هذا السلوك، لأنها لم تستر ضعف زوجها وهي التي كان لزاماً عليها أن تكون عوناً له ومواسية في هذا الفقد وتمسح دموعه بيديها وتربِّت على ظهره وتحتضن حزنه الكبير على أمه لتشعره بوجودها وأنها هنا لتكون زوجته وأمه، ربما لهذا تسوء سمعتنا بين الرجال ونُتهم بالتقصير لأننا لا نُحسن التصرُّف كما يجب في الوقت المناسب. لقد كانت حسابات النصر لدى هذه المرأة أكبر من حساسية الموقف، فراحت تشيد أقواس النصر من الأحاديث والثرثرة لتستشعر طعم الظفر بدمع زوجها أخيراً. { حقاً.. غريب ما يدور برأسنا نحن النساء، لماذا لا ندرك أن الرجل كائن حسّاس في السر، محقون في العتمة، موجوع في الظلام، لا يُحسن التعبير لأنه يرى كل عاطفة ضعف يتعارض مع إصراره على إبداء رجولته دائماً!! لهذا يتقوقع الرجال في أصداف أحزانهم، يطمرون آلامهم، ويحفرون للوجع سرداباً سرياً مخفياً يتسللون إليه في وحدتهم، ولهذا لا يقوى الرجال على مكاشفة زوجاتهم باحتياجاتهم الإنسانية، لنجد الرجل ينأى بملاحظاته السالبة عن زوجته بعيداً ويسكت عليها حتى لا يعمد لمصارحتها بها في جلسة مكاشفة صادقة وصريحة لأنه يعتقد أن في ذلك ضعف، وأنه لا يحب أن يستجدي زوجته ويعرض عليها ما يلزم حتى تتغير وتكون كما يحب تحقيقاً لسعادته الزوجية! { ترى كم يرغب الرجال في أن ينخرطوا في البكاء؟ كم يحتاجون إلى أمومة من نوع آخر.. أمومة نسائهم الخاصة؟! إنهم أطفال يا نساء العالم، كل الرجال أطفال، وطفولتهم المخفية خلف شواربهم هي سرهم الذي يخافون عليه منّا ومن ألسنتنا وردود أفعالنا إن هم أعلنوا وجعهم أو باحوا بمشاعرهم فنهرع لنشرها على حبل الغسيل الوسخ ليرى الجميع ذلك فيصبحوا مادة للتندُّر. { للرجال كما للنساء جانب حنون ودامع، وأنا شخصياً أطرب لأغنيات عبد الحليم حافظ الحنونة أكثر من أغنيات أم كلثوم الصلبة القوية، ومعظم الذين غنوا الألم وبرعوا فيه كانوا رجالاً وآخرهم القيصر كاظم الساهر ومواويله الباكية، وأعظم رجل علّم النساء ما لم يعلمنه عن أنوثتهن كان رجلاً.. هو نزار قباني الذي لم يكابر أمام دمعه يوماً، فأخرجه لنا في كلماته الخالدة والصادقة والعبقرية. { إذن.. الرجال أيضاً يبكون، كلٌ حسب ظروفه وطاقته وفهمه لدموعه وتقييمه لها، لا أحد يعرف متى يبكي الرجال، لأن دمعهم عزيز عليهم وعلينا. تلويح: «علمني حبك أن أحزن! وأنا محتاج منذ عصور، لامرأة تجعلني أحزن لامرأة «أبكي» بين ذراعيها مثل العصفور» نزار قباني