{ حاولتُ أن أعلّق قلقي على مشنقة الوقت بحبل من المجلات مهترئة المواضيع لعامل الزمن فقد كانت ذات أعوام مضت والمستلقية باستسلام بغيض على الطاولة الوحيدة بغرفة الانتظار سبحان الحداثة التي خلقت للانتظار غرفة يقبع فيها حيث جلسنا المنتظرين واضعين أيدينا على خدنا المتألم أو المتورم من أضراس ملّت الانتظار وسوسة الوقت نخرت صبرها المنتظر وزهجت من مضغ الأسباب الواهية لعدم خلعها! فأن تخلع ضرساً يعني أن تتنازل عن عضو فيك تحمّل نهمك وشرهك طوال وجباتك، وتكفل بإخراج صوتك الى سامعيه إن كان بنميمة أو بحديث محبة ولطف أو بتهديد وبالضرورة جمّل وجهك بالتزامه التام بمكانه كضرس ساند للفك ومثبت للعقل واللسان. فما الذي يدفعني الى تحديد خيار خلعه هكذا بعد آلام يومية لم تقلّ أبداً؟ هذا جزائي لأني لم أمنحه حقه الكامل في ترتيب أوضاعه الداخلية بعدم حشوه دائما بالحلوى وترك بقايا الطعام المسائي فيه كسلاً من أن أقوم بالسواك، فاستوطنت فيه السوسة الملعونة وجعلت نفسها الآمرة الناهية فيه وفي بياضه الناصع، بل حددت لي مساحة استخدامي له كضرس هارس لأكلي فتنحيتُ مستسلمة وأخليتُه لها! وبعد أن فرغتَ منه تماماَ، خرجتَ وتركتَه لي أسود لا يصلح إلا للألم. وألم الضرس لا يعرفه إلا خالعه، فهو خليط عجيب من الألم العضوي والنفسي؛ فبين الصداع ووجع الفك واللسان وعدم النوم يتداخلك تأنيب الضمير بعدم الاهتمام بأضراسك كما يجب حتى وصلت حداً لا يصلح معه إلا الخلع، ثم القلق من ألم الخلع نفسه والاكتئاب بإحساسك العظيم بالفراغ في مكانه مما يجعلك عرضة لتهالك الفك أو خلو طرف لسانك من حرف ما! ومما يخلع النفس قبل الضرس كمية الآلات الحديدية الباردة المستلقية بتحفز على الطاولة الصغيرة أمام كرسي الخلع عند الطبيب، الذي للحق لا يطمئنك إنما يمنحك الحقيقة مجردة من الأسنان فلا تعرف هل تضحك لمظهرها العاري أمام الطبيب الكاشف لسر فمك؟ أم تبكي لأنك مهمل فقدت، بعدم اهتمامك بأسنانك، لسانك فلم تستطع الحديث؟ وهو ما سيؤول اليه حالك بعد الخلع العظيم، صامتاً مثقلاً (بالبنج) ضاغطاً على قطنة أو شاشة صغيرة هي ستر وغطاء للفراغ الذي خلفه ضرسك القديمز { والحديث في عيادات الأسنان هو الاهتمام التام بإجراءات النظافة والإضاءة والتصوير الإشعاعي لمعرفة آخر ضرسك حتى لا يخلع الطبيب ضرساً مرتبطاً بآخر عرقياً، مثلاً، كما أن مهمتهم القديمة، كخالعين للأضراس، تغيرت؛ فهناك قتل الجذور وهو كناية عن الموت الرحيم للضرس فيكون ضرسك هو ما نبت خلقياً لك لكنه مجرد ديكور خارجي فقط! وهو يصلح للأضراس التي تؤلم بدون ارتباطها بالتسوس، وهناك التغليف القبلي حتى لا يصاب الضرس أو السن المعالج بعطب قادم، وهناك التقويم وترتيب الأسنان والتبييض والى آخر قائمة مهمة طب الأسنان رفيع المستوى في العالم أجمعه، حيث أنه الأعلى تعرفة في العلاج خارجياً وقد أصبح كذلك داخلياً الآن لأهميته المرتبطة بالأنف والأذن والعين والرأس عموماً ناهيك عن الفكرة الجمالية للأسنان التي نراها متمثلة في وجه الحبوبات زمااااان حينما تخلو وجوههن من لحم الخدود نظراً لخروج الأسنان من غرفة انتظار السنوات. ولأننا كمجتمع أصحاب ثقافة مختصرة في ما يتعلق بالصحة عموماً وبطب الأسنان خاصةً فإن معظم زملاء غرفة الانتظار هم من الخالعين/ المخلوعين نسبةً لأن خلع الضرس من مكانه شديداً يخلع قلبك من الألم شديداً أيضا ويخلعك من الخوف المستمر كلما نتح ضرس لك بالألم. وقليل ما تجد من هو آتٍ لمراجعة صحية خالية من مصلحة تخفيف الألم أو لمجرد تحسسه من ضغط هوائي في اللثة تعرض له عقب شرابه لكوب ماء أو عصير مثلج! وهذا الشيء نشترك فيه بجميع طبقاتنا الاقتصادية والاجتماعية؛ فنحن لا نتطبب إلا بعد تمام المرض. { وعلى مضض ذهبتُ بعد تأكدي من عدم رغبة ضرسي في العيش معي بعد الآن الى طبيب الأسنان ليبدأ إجراءات الخلع التي تريح الطرفين وتبرئنا من كل التزامات سابقة ولاحقة بعدم المضغ أو النوم أو الضحك. وقد كانت مصادفتي سعيدة في أن تم خلع ضرسي دون ألم يُذكر ليس لتهالكه على أرض السوسة التي فتكت به، بل لأن حرصي عليه تمثل في عيادة همها الأول التثقيف بالأسنان وإبداء الرغبة في إصلاح ما أفسده الدهر بإرجاع المفقودات الضرسية كما كانت، بعد الفراغ من تنظيف أرضية الفم مما علق بها من سوس وبكتريا. وبلا تكبر أو خوف خلعت ضرس عقلي المسوّس وتركت مكانه فارغاً لحين تصميم ضرس جديد وترتيب أوراق العقل والنفس ونزع التسوس الشامل في أضراس الذكرى بخلع كل ما لا يمكن مضغه لسنوات أخرى وتغليف ما تفيدني ذكراه كعبرة لمن تسوس له نفسه أن ينخر فيني بشيء.. وفتح غرف الانتظار للمحتمل ترتيب أوضاعهم بتصميمات جديدة للأحداث. وبالضرورة التنازل عن أي شخص يسبب لك الألم النفسي والعضوي باعتبار أنه الأهم من ألمك بتعليقك له المشنقة بأنه المخلوع لا محالة.